بقلم: مفتاح شعيب –صحيفة الخليج
الشرق اليوم- ليست هناك توقعات شديدة الموثوقية تتكهن بمسار الأزمة الحادة بين روسيا والغرب حول أوكرانيا. فبينما يستعر الاشتباك الدبلوماسي بين الأطراف المختلفة، تستمر الحشود العسكرية والاستعدادات، بما يوحي بأن الجميع ذاهبون إلى الحرب التي إذا اندلعت واتسعت فلن تكون هينة، وستسفر عن وضع يصعب التعايش معه لعقود مقبلة، خصوصاً في أوروبا التي تقف موقفاً أمنياً لا يمكن أن تحسد عليه.
الجانب الغربي يستمر في إطلاق التهديدات والتحذيرات، وتلعب وسائل إعلامه دوراً كبيراً في إثارة الذعر والمخاوف. كما يصور توجه الولايات المتحدة وحلفائها بفرض عقوبات قاسية وطويلة الأمد على روسيا بأنه سيردعها ويغير خططها. وبالمقابل فإن موسكو لا تبدو مكترثة جداً بهذه العقوبات، مع تأكيد مسؤوليها، في مرات عديدة، بأنه لا نية لديهم لغزو أوكرانيا؛ بل إنهم شجبوا ودانوا الهيستيريا الغربية التي تعود إلى عدم استيعاب النوايا الروسية والغاية من الحشود العسكرية الكبيرة.
غموض الموقف الروسي وعدم التعرف إلى ما يخطط له، مشكلة تواجه الغرب في هذه المرحلة، على الرغم من المعرفة المسبقة بأن موسكو لن تكون بحاجة إلى عمل عسكري شامل في أوكرانيا، لقلب الوضع إلى مصلحتها، وتحقيق مصالحها والتغلب على هواجسها الأمنية؛ لذلك فهي تركز الآن على المناورات التكتيكية في بيلاروسيا والبحر الأسود وعلى الحدود الشرقية لأوكرانيا، وهي إجراءات متبعة في إدارة الصراعات، ويمكن أن تحقق نتائج سريعة أكثر من الحرب ذاتها. وإذا لم يستوعب الغرب هذه الرسائل فإن حالة العالم وأوروبا، على وجه الخصوص، ستكون أمام منعطف استراتيجي حاسم، لا يمكن التنبؤ بما بعده. وعلى افتراض أن القوات الروسية قررت اجتياح أوكرانيا، فإن ما بعد لحظة الاجتياح ليس كما قبلها. والغرب الممثل في حلف شمال الأطلسي “الناتو” بزعامة الولايات المتحدة لن يستطيع، لاعتبارات عدة، مواجهة هذه العمل العسكري، ولن يتجاوز رد فعله فرض عقوبات اقتصادية “قاسية”، ومحاولة إثارة بعض المشكلات الأمنية لروسيا في مجالها الجغرافي الحيوي. وبناء على قراءة استشرافية لما بعد الكارثة المتوقعة، يمكن الآن خفض التصعيد والحوار بين الغرب وروسيا وهو الحل لتجنيب العالم أزمة لن تكون كمثلها أزمة منذ الحرب العالمية الثانية.
الرئيس الفرنسي الذي زار موسكو وكييف حاول إبداء بعض التفاؤل بحديثه عن “حلول ملموسة وعملية” لإنهاء التوتر بين روسيا والغرب، وبعد لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين قال: إنه اقترح على سيد الكرملين “بناء ضمانات أمنية ملموسة” لكل الدول المعنية بالأزمة الأوكرانية، لكن الخطاب القادم من واشنطن، إثر لقاء الرئيس جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس كان تصعيدياً، وربما كان مقصوداً بالتزامن مع المساعي الفرنسية، وهنا يمكن التساؤل عن أهداف الغرب وحول ما إذا كان يرغب في التهدئة والسلام فعلاً أو أنه يسعى ويتمنى أن تندلع الحرب.
ربما تصيب بعض حسابات الغرب أحياناً، ولكن عندما بتعلق الأمر بروسيا ومن خلفها، فإن المعادلة تختلف جذرياً؛ لذلك يجب التعامل مع هذه الأزمة بكثير من الحذر، لأنها إذا خرجت عن السيطرة، فربما ستفرض حتمية سياسية وأمنية جديدة تخدم نظرية تغير التوازنات الدولية وإعادة هندسة العالم.