الشرق اليوم- يرى خبراء أن عودة الانقلابات إلى غرب أفريقيا ووجود بعض الترحيب الجماهيري بها، يعود إلى عوامل عدة، تتعلق بعدم توافر الأمان واهتمام الطبقات السياسية الحاكمة بتنفيذ إصلاحات وعمليات تنمية ملموسة.
إن مشهد قراءة ضباط الجيش لبيانات يعلنون من خلالها الاستيلاء على الحكم، ومن ثم خروج الناس للاحتفال والترحيب قد تكرر في عدة دول بغرب القارة السمراء، وذلك كما حدث في مالي 2020، وفي أغسطس من السنة الماضية.
في مالي وتشاد وبوركينا فاسو وغينيا، استولى الضباط العسكريون الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 38 و 41 عامًا، ومعظمهم من وحدات القوات الخاصة، على السلطة من القادة المسنين المنتخبين ديمقراطياً.
وفي حين أن السياقات تختلف في كل بلد، فهناك العديد من العوامل الأساسية والتحديات الرئيسية التي تواجه بعض البلدان في المنطقة، فعبر منطقة الساحل، تركت الحملات العسكرية ضد الإرهاب، التي بدأ في مالي منذ أكثر من عقد من الزمان، ملايين الأشخاص عرضة لهجمات وحشية، وتسببت في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
واستغلت الجماعات الأصولية إخفاقات الحكومات في معالجة الفساد وتوفير حوكمة رشيدة في تلك البلدان ذات الدخل المنخفض والمتنوعة عرقياً في اكتساب زخم، بينما زاد الجفاف من انعدام الأمن في منطقة تعتمد على الزراعة.
ومن العوامل الأخرى التي أضعفت ثقة الناس بتلك الحكومات قلة الفرص العمل للشباب الذين يتزايد عددهم بسرعة والانتشار الكبير لتجارة الأسلحة.
واستشهد قادة الانقلاب في بوركينا فاسو ومالي بتفشي انعدام الأمن لتبرير الانقلاب، بينما انتقد الجيش في غينيا “الفساد السياسي” في أعقاب الانتخابات المتنازع عليها.
وفي بوركينا فاسو خرجت احتجاجات جماهيرية ضد الحكومة قبل وقوع الانقلاب فيها بسبب حجم عمليات القتل الجماعي التي ارتكبتها الجماعات المتطرفة في العام الماضي، والتي تسببت في نزوح 1.5 مليون شخص داخل البلاد.
وقال أحد المتظاهرين خلال احتفاله بسيطرة العسكر على الحكم: “الناس والجنود يموتون كل يوم وهناك الآلاف من النازحين.. هذه فرصة لبوركينا فاسو للاحتفاظ بنزاهتها”.
وفي نوفمبر، قُتل 53 شخصًا، من بينهم 49 من قوات الدرك، عندما هاجم أصوليون معسكرًا في إيناتا، وفي هذا الصدد يقول الناشط والمؤسس المشارك لحركة إنقاذ بوركينا فاسو إبراهيما ماييجا، وهي جماعة احتجاجية بارزة، إن ما زاد من الألم هو التقارير التي تفيد بأن العديد من قوات الدرك قد ماتوا جوعا بعد أن نفذ مخزون الطعام لديهم.
وأشار إلى أن “رئيس البلاد روش كابوري لم يشارك في جنازة لدفن أي جندي مات في السنوات الست الماضية، وأنه نادرًا ما كان يزور الجنود الذين جرحوا أثناء القتال، ولذلك سيطر شعور على الناس أنه لا يهتم بهم أبدا”، واصفا التغييرات التي أجراها كابوري لكبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين في نهاية العام الماضي بأنها ليست كافية.
واحتفل المتظاهرون من حركة التي ينتمي إليها ماييجا بالانقلاب، وذلك بعد أن أعلن النظام الجديد نيته إجراء محادثات مع مجموعات المجتمع المدني في الأيام المقبلة بعد محادثات مع الجماعات المعارضة.
وأوضح أن “الجيش يحظى بثقة الكثيرين”، مضيفا أن مسائل الديمقراطية باتت أقل أهمية بسبب الأزمة الأمنية، موضحا: “نحن نحب الحرية والديمقراطية، لكننا الآن في المستوى الذي نحاول البقاء فيه أحياء، والأولوية هي توفير السلامة والأمن “.
وكانت سنوات من التمرد الإرهابي الناس في منطقة الساحل قد دفعت إلى التشكيك في النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي للقوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، والتي تقلص دورها في عملية برخان لمناهضة للجماعات الأصولية والتي كانت قد انطلقت في أغسطس من العام 2014.
وقال مدير مركز الديمقراطية والتنمية في أبوجا، ايديات حسن، إن الانقلابات أرغمت الناس على التفكير فيما إذا كانت الديمقراطية قد أسفرت عن فوائد ملموسة.
ولفت إلى ان سكان غرب إفريقيا باتوا يعتمدون على أنفسهم في توليد الطاقة الكهربائية وإنشاء البنية التحتية وتوفير بعد أن فشلت حكوماتهم في توفير تلك الأمور الأساسية لهم، مضيفا: “أنهم لا يجنون ثمارا ملموسة من الديمقراطية، ولذلك تأتي الجيوش الانتهازية لتستغل هذا الفراغ وإطلاق وعود بملئه”..
إحباط شعبي
من ناحية أخرى، يرى حسن أن هناك أيضًا إحباط شعبي من أن المجتمع الدولي غالبًا ما يدق ناقوس الخطر عند حدوث الانقلابات، وليس عندما يتم تقويض الديمقراطيات بشكل روتيني، موضحا:”هناك تركيز على أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة، ولا يوجد تركيز كافٍ على الطريقة التي يتم بها تقويض الديمقراطيات”.
وأضاف” منظمة غرب أفريقيا للتعاون الاقتصادي (إيكواس) والاتحاد الأفريقي يواصلان مراقبة الانتخابات بدون وجود ألي آليات لمنع ما فعله الرئيس الغيني ألفا كوندي، ورئيس كوت ديفوار الحسن واتارا”.
وأشار إلى أن التغييرات الدستورية في غينيا وكوت ديفوار للسماح لقادة هذين البلدين بالحصول على ولاية رئاسية ثالية مثيرة للجدل، وأن كلا من كوندي واوتار قد فازا في انتخابات رفضتها جماعات المعارضة ووصفتها بأنها مزيفة”.
وتابع: “كان ذلك انقلاباً دستورياً”.
ويشعر المراقبون بالقلق من أن دعم الانقلابات يوحي بأن السكان ينظرون إليها بشكل متزايد على أنها الرد على الحكومات التي لا تحظى بشعبية، ففي عاصمة مالي، باماكو، على سبيل المثال، احتشد عدة آلاف لدعم المجلس العسكري ولاسيما بعدما بعد فرض منظمة إيكواس عقوبات لم تحظ بأي شعبية.
ولكن دعم الأنظمة العسكرية ليس مقبولا من كل النخب الجماهيرية والسياسية، وهنا يقول الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة كورنيل، عمر با، “إن عمليات الجيوش الوطنية ضد الجماعات الأصولية والإرهابية قد أدت إلى انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان لاسيما في المناطق الريفية حيث يكون الصراع أكثر حدة وحيث كون الناس على الأرجح أقل دعمًا للجيش”.
ونوه إلى أن الكثير من المظاهرات التي تظهر الدعم لهذه الأنظمة العسكرية كانت في مناطق حضرية، متابعا:” لكن الناس الذين يعيشون في المدن لديهم تصور مختلف عن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية، حيث من المحتمل أن تجد المزيد من القلق في تلك المناطق النائية والفقيرة”.
وفقًا لدبلوماسي من غرب إفريقيا، فإن منظمة إيكواس تجد صعوبة في مواصلة الضغط على الأنظمة العسكرية للالتزام بالانتقال إلى الديمقراطية، قائلا “إن بعض العقوبات كانت قاسية، لكنها أدت إلى مواقف معقدة، كما هو الحال في مالي، حيث يعانون بالفعل من تلك العقوبات الآن لكن يبدو أن الناس يدعمون المجلس العسكري أكثر”.
وختم بالقول: أعتقد أن يجب البحث عن حلول أكثر فعالية لردع تلك الانقلابات العسكرية”.
ترجمة: الحرة