بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- لا يخفى أن وجود ميليشيات محلية مُسلحة كان أحد أهم عوامل الإخفاق في إجراء الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر الماضي. ولا يعني هذا استهانةً بخطر القوات الأجنبية سواء نظامية أو ميليشياوية في صورة مرتزقة. لكن هذه القوات سترحلُ آجلاً أم عاجلاً عند توافر إرادة دولية، لأنها في النهاية أجنبية.
كما أن هذه القوات لا تستطيعُ التدخل، بطريقةٍ مباشرةٍ على الأقل، في عملية التحضير للانتخابات وإجرائها، بخلاف المليشيات المحلية الموجودة في غرب البلاد. فقد استُخدم بعضُها لخلق حالةٍ أسمتها المفوضيةُ العليا “القوة القاهرة”، التي منعت إجراء الانتخابات في موعدها. وكان واضحاً أن الأطراف التي سعت إلى إعاقة تلك الانتخابات، وخاصةً جماعة “الإخوان” ومكونات “الإسلام السياسي” عموماً، حركتها للهجوم على بعض فروع المفوضية العليا، وعددٍ من مراكز الاقتراع، ومحاولة ترهيب الناخبين.
ولا تقتصرُ أخطارُ هذه المليشيات على عرقلة العملية الانتخابية التي ينتظرُها الشعبُ الليبيُ للخلاص من محنة طالت، وللمشاركة في بناء دولته الوطنية. فلا يمرُّ شهرٌ واحد من دون أن يحدث توترٌ أو عنفٌ بين بعض المليشيات بسبب صراعات على مصالح وغنائم، أو على قوةٍ ونفوذ. وآخرُها حتى الآن اغتيالُ عُنصرين تابعين لما يُسمى “جهاز دعم الاستقرار” التابع للمجلس الرئاسي، على أيدي عناصر من إحدى المليشيات في 27 يناير الماضي. وقبلها مباشرةً (7 و8 يناير)، وقعت اشتباكاتٌ بين اثنتين من المليشيات بسبب خلاف على حصة كل منهما في الميزانية التي حددتها الحكومةُ الانتقالية، وهو ما لا يحدثُ مثلُهُ في أيٍ من دول العالم. حكومةٌ يُفترضُ أنها مسؤولةٌ عن حماية أمن المواطنين تدفع لمليشياتٍ تُهددُ هذا الأمن، رغم أن لديها قوات مسلحة تابعة لها! ورغم عدم وضوح مستوى تطور هذه القوات حتى الآن، بخلاف الجيش الوطني الذي تتمركزُ معظمُ قواته في الشرق والجنوب، فربما يُؤهلُها طابعُها النظاميُ لمُساهمةٍ في الجهود التي تقومُ بها اللجنةُ العسكريةُ المشتركةُ (5+5) لتوحيد القوات المسلحة الليبية. فقد حققت هذه اللجنةُ، منذ الاتفاق على تأسيسها في مؤتمر برلين يناير 2020 برعاية الأمم المتحدة، بضعة إنجازات في مقدمتها وقف إطلاق النار.
لكن السعي إلى توحيد المؤسسة العسكرية هو أهمُ مهماتِها التي تستحقُ أكبر قدرٍ من الدعم الدولي. وربما يكونُ إحرازُ تقدمٍ في هذا الاتجاه هو أفضلُ استثمارٍ للوقت، إلى أن يُحدد موعدُ جديدُ للانتخابات. غير أن العملَ في هذا الاتجاه بطيء، رغم البدء في إجراء لقاءات بين رئيسي أركان كل من الجيش الوطني والقوات المسلحة التابعة للحكومة الانتقالية.
مهمةٌ صعبةٌ بالقطع، وأصعبُ ما فيها وجودُ مليشيات مُسلحةٍ تتعارضُ مصالحُها مع مبدأ احتكار الدولة استخدامَ السلاح. لكن كم من صعوباتٍ واجهت إعادة بناء دول في أعقاب حروبٍ أهليةٍ وأزماتٍ جسيمةٍ أمكن في النهاية عبورُها؟! وهذا ما يأملُ فيه مَن يحرصون على ليبيا وشعبها.