بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – بعد سلسلة الهجمات التي شنها تنظيم “داعش” في سوريا والعراق في الأشهر الأخيرة، بدا أن التنظيم المتطرف عاد ليشكل خطراً حقيقياً للمرة الأولى منذ زوال “خلافته” عام 2018. ولم يكن الهجوم الذي استمر أياماً على سجن غويران في منطقة السيطرة الكردية في مدينة الحسكة السورية الشهر الماضي، بالحدث العابر، ولا كذلك، الهجوم المتزامن الذي شنه التنظيم على موقع للجيش العراقي في محافظة ديالى ومن قبل هجمات أوقعت خسائر في صفوف البيشمركة في منطقة كردستان العراق ذات الحكم الذاتي.
في هذا السياق، أتت العملية الأميركية في بلدة أطمة في محافظة إدلب غير البعيدة من الحدود التركية الخميس الماضي، التي أسفرت عن مقتل زعيم “داعش” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.
وفي التوقيت، أتت العملية وكأنها رد على هجمات “داعش” الأخيرة التي تكبد فيها المقاتلون الأكراد المتحالفون مع الولايات المتحدة خسائر كبيرة، وتمكن العديد من أفراد التنظيم من الفرار. كما أرادت أميركا من خلال العملية أن تبعث برسالة مضمونها الآتي: إن إنتهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق اعتباراً من آخر العام الماضي، لا يعني أن عمليات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمقاتلة “داعش” ستتوقف.
ولذلك، فإن واشنطن لن تتخلى عن حلفائها الأكراد في سوريا أو العراق في مواجهة الهجمات الجهادية. كما أن تصفية القرشي هي للرد على المطالبات من الداخل الأميركي بالانسحاب من سوريا ووضع استراتيجية أميركية جديدة للتعامل مع دمشق.
وفي إمكان إدارة بايدن أن تقول الآن، إن مهمة قوات التحالف التي بدأت عام 2014، بعد صعود “داعش” وسيطرته على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، لم تنتهِ بعد.
بيد أنه يصعب الجزم بما إذا كانت تصفية القرشي أتت انتقاماً من الهجوم على سجن غويران، أو ما إذا كانت مخططة من قبل، وأن تنفيذها في ذلك الوقت، كان مجرد صدفة.
ويبقى أن تصفية القرشي أتاحت للرئيس الأميركي جو بايدن أن يظهر بمظهر القوة، وأن ينفض عنه غبار التردد، الذي حاول الجمهوريون المؤيدون للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن يسبغوه على إدارته، خصوصاً بعد الانسحاب من أفغانستان بالطريقة التي تمت فيها وأعادت تذكير الأميركيين والعالم بأيام الهروب من سايغون عام 1975.
وتالياً، أتت العملية الأميركية في توقيتها وكأنها رد على أكثر من تطور في سوريا والعراق. لكن قتل القرشي لا يعني أن عمليات التنظيم ستنحسر على نحوٍ كبير، خصوصاً أن عناصره لا يزالون موجودين في البادية السورية وعلى جانبي الحدود السورية – العراقية. ومن هناك ينطلق هؤلاء لشن العديد من الهجمات بشكل بات شبه يومي في سوريا أو في العراق.
وكان لافتاً أن القرشي لم يكن يختبئ في البادية، وإنما في منطقة تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى من المعارضة السورية، وعلى مسافة 24 كيلومتراً فقط من الحدود التركية. وسبق أن اغتيل سلف القرشي، أبو بكر البغدادي، في المنطقة ذاتها تقريباً بضربة أميركية عام 2019. وهذا يدل بلا شك الى وجود خلايا نائمة للتنظيم في مناطق خارج سيطرته المباشرة حتى.
بلا شك، تعرض “داعش” لضربة قوية باغتيال القرشي، ومنح بايدن فرصة كي يبرر استمرار الوجود العسكري في سوريا.