بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- دخلت التحركات الدبلوماسية المكثفة الرامية إلى إيجاد حل للأزمة الأوكرانية في سباق مع التصعيد الذي تعبّر عنه الحشود العسكرية على جانبي الحدود، فضلاً عن المناورات العسكرية، وإرسال التعزيزات من هذا الطرف أو ذاك، أو إطلاق التحذيرات المتبادلة.
وتحرك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتجاه كييف وموسكو هذا الأسبوع، وكذلك اعتزام المستشار الألماني أولاف شولتز، زيارة كييف وموسكو في 14 شباط (فبراير) و15 منه، يعتبران الأكثر جدية على صعيد البحث عن المخارج السياسية.
ولا يمكن عاقلاً أن يصدق أن روسيا تريد الحرب للحرب كما يروج بعض غلاة المحللين في الغرب. والرئيس فلاديمير بوتين يدرك أن كلفة الحرب على بلاده ستكون غالية، فلماذا لا يختار الذهاب نحو الخيار الدبلوماسي، إذا ما كان هذا الخيار يوفر تسوية تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف، وتنزلهم عن شجرة التصعيد.
وعند الحديث عن الخيارات السياسية، لا يمكن القفز عن اتفاق مينسك الذي كان من المفترض أن تسهر على تطبيقه مجموعة النورماندي التي تضم إلى روسيا وأوكرانيا، كلاً من فرنسا وألمانيا. ولا شيء يمنع الآن من العودة إلى إحياء هذا الاتفاق، الذي يجعل من أوكرانيا دولة فدرالية وتعترف بحقوق منطقة الدونباس التي تقطنها غالبية من أصل روسي.
ويشكل اتفاق مينسك أيضاً، مخرجاً للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي لن توصله الحرب إلى أوكرانيا مستقلة وموحدة، كما أنها تسحب من روسيا أي ذريعة للتصعيد وحشد القوات بحجة حماية الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا، إذا حصل هؤلاء على مطالبهم بالطرق الشرعية والقانونية.
ولن توفر كل الأسلحة التي يرسلها الغرب إلى كييف، السلام والوحدة لأوكرانيا، وستخرج البلاد من أي حربٍ محتملة مدمرة وأكثر انقساماً، لذلك فإن الحس السليم يقول إن إعتماد الخيار الدبلوماسي، هو السبيل الأفضل لنزع فتيل الأزمة والبدء في خفض التصعيد.
وكون فرنسا وألمانيا، من الدول الأوروبية التي ستدفع فاتورة كبيرة جراء خروج الوضع عن السيطرة، فإنه يقع على عاتق قادة البلدين تكثيف التحركات بحثاً عن حلول تدرأ عنهما السيناريو الأسوأ. و”العقوبات القاسية” التي يهدد الغرب بفرضها على روسيا، لن تترك تأثيراتها في اتجاه واحد. وأكبر دليل على ذلك، هو السعي الأميركي الحثيث في اتجاه قطر وأذربيجان ومنتجين آخرين للغاز، كي يوفروا بدائل من الغاز الروسي، الذي سينقطع عن أوروبا الغربية فور فرض العقوبات الغربية.
والجميع يعرف أن توفير البدائل للغاز الروسي للدول الأوروبية، هو عملية في غاية الصعوبة وقد تستغرق وقتاً يكون كافياً لتكبيد الاقتصادات الأوروبية خسائر كبيرة توازي، إن لم تفق الخسائر، التي ستصاب بها روسيا نفسها جراء العقوبات التي ستفرض عليها.
وهذه الاقتصادات لا تزال تعاني أصلاً من آثار وباء كورونا والإغلاقات التي فرضتها الدول.
هذه المخاطر تحتم على قادة أوروبا، خصوصاً ماكرون وشولتز وقادة الاتحاد الأوروبي، بذل الجهد الأقصى كي لا تقع الحرب، وتالياً هم معنيون، أكثر من الولايات المتحدة، بإبعاد القارة عن شبح كارثة جديدة. وهذا لن يتم ببعث رسالة خاطئة إلى أوكرانيا، من طريق إرسال السلاح إليها، من دون مواكبة ذلك بحراك دبلوماسي مكثف يبقي الأمل بفرصة للحل السياسي.
ولا شك في أن تحرك الزعيمين الفرنسي والألماني، سيكون أجدى بكثير من شحنات الأسلحة. كما أن التواصل المباشر مع روسيا هو بداية المسار السليم للخروج من المأزق وليس البحث عن وسائل لعزل روسيا وتطويقها.
والحراك الدبلوماسي يجب أن يكون عنوانه تطبيق اتفاق مينسك، لأن هذا ما يصب في جوهر المطالبات الروسية بالضمانات الأمنية.