بقلم: د. محمّد النغيمش – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – جمعني حوار باسم مع «إنسان آلي» كان يتجول في شوارع الإمارات. لم أكن قبل ذلك أدرك أن بوسع روبوت آلي أن يبادلني حسّ الدعابة! حاولت أن أسأله أسئلة خاصة، تارة بالعربية وتارة بالإنجليزية، لكن يبدو أنه كان أكثر احتراماً للخصوصية مني، فتهرب بدبلوماسية من الإجابة عن أبسط سؤال: هل أنت ذكر أم أنثى؟
هذا الروبوت الذي أطلقته حكومة الإمارات «ليتجاذب أطراف» الحديث مع ضيوفها جعلني أفكر في مستقبل وظائف أبنائنا. فالتقارير الدولية تشير إلى أن «الذكاء الصناعي» (وقود هذه الآلات) بات يتغير ويتطور بتسارع مذهل. ففي مقدوره، قراءة نفسيات الناس، ومزاجهم العام، وتوقع احتمالات وقوع الجريمة وأماكنها، وأوصاف المجرمين الفارين من العدالة، وجلبهم بسرعة قياسية كلما تمت تغذيته بأطنان هائلة من المعلومات. فالبيانات وقود الذكاء الصناعي، وكلما زادت المدخلات زادت سرعة احتراقه (أو توليده) للمعلومات القيمة.
في السابق كان حدس المحققين يمكنهم من معرفة المجرمين من طريقة مشيتهم، أما الآن فبفضل تقنية الذكاء الصناعي يمكن أن نعرف المتهم من مشيته عبر بصمة الحركة الدقيقة. وعندما قدم الباحث السعودي د. عماد جاها في جامعة ساوثهامبتون البريطانية برنامجاً فريداً يكشف هوية المتهم من ملبسه (وليس مشيته) تردد أحد أعلام هذا المجال البروفسور مارك نيكسون في قبول الإشراف على بحثه، لكنه بعد تدبر نتائجه «ذهل من نتائجه»، ثم نشر مع الباحث السعودي أربعة أبحاث علمية في دورية عمليات المعلومات الجنائية والأمنية (TIFS). فقد تمكن د. عماد، وهو صاحب فكرة «بصمة الملابس»، من تحديد خصائص ملبس المتهم من أوصاف شهود العيان أو حينما يكون الجاني ملثماً. ذلك أنه في مقدورنا معرفة المشتبه به من طريقة «نسفته» (وضع الشماغ أو العقال) أو من تشمير الساعدين وهيئة ملبسه ككل.
ليس ذلك فحسب، بل يستطيع الذكاء الصناعي أن يراقب الحيوانات ويلفتنا إلى عيوبها ومشكلاتها، وهو أمر بالغ الدقة ويتطور بصورة مذهلة. فقد اكتشف العلماء أن في استطاعة الذكاء أن يحدد ما إذا كانت الأبقار تعرج، وهي مسألة مهمة في إدرار اللبن بحسب تقرير نشرته «بي بي سي» عن شركة «كاتل آي». إذ لوحظ أن العرجاء تدرّ لبناً أقل. وبسبب هذه التقنية يمكن التسريع من آلية التعامل مع المشكلات التي تواجه الحيوانات.
إذن بوسع الذكاء الصناعي رصد سلوكياتنا كبشر وسلوكيات سائر الكائنات الحية الأخرى. فصار الإنسان في عصرنا يغط في سبات عميق أو غفوة ليوقظه جهاز آلي عند وقوع خطر داهم أو سلوك عدواني لشخص يتجول في أحياء المدينة.