بقلم: د. أيمن سمير – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – منذ أن كشفت المخابرات الأمريكية في منتصف ديسمبر الماضي، عن وجود عشرات الآلاف من الجنود الروس قرب الحدود الشرقية لأوكرانيا مع روسيا، تجلى الرد الغربي على هذه الحشود، بالتهديد والوعيد، وإرسال المستشارين والجنود والسلاح إلى أوكرانيا ودول الجناح الشرقي من حلف الناتو.
وخلال ما يقرب من 50 يوماً من هذا الاستنفار المتبادل، نجح الطرفان في تحقيق الكثير من الأهداف السياسية والعسكرية، من دون إطلاق رصاصة واحدة، بل يمكن أن تتحول «حالة التسخين» الحالية إلى فرصة لحل مشاكل مزمنة، ظلت عالقة منذ فترة طويلة بين روسيا والغرب، وهو ما يعزز من فرضية عدم دخول الحرب من الطرفين لسبب رئيس، وهو أن كلا الطرفين، يستطيعان تحقيق الكثير من الأهداف السياسية والعسكرية، من دون الدخول في حرب، نفى الكرملين أكثر من مرة نيته في دخولها، كما أن الولايات المتحدة لم تقل إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخذ قراراً باجتياح أوكرانيا.
فكيف حققت روسيا والولايات المتحدة وحلف الناتو، الكثير من أهدافهم السياسية والاستراتيجية دون الدخول في الحرب؟
المبدأ وليس الواقع
وسط كثرة الاتهامات بين روسيا والغرب، تغيب الكثير من الحقائق، وفي مقدمها أن الخلاف الحالي يدور حول المبادئ، وليس على ما يجري في أرض الواقع، بمعنى أن الولايات المتحدة تقول إن أبواب الناتو، يجب أن تظل مفتوحة للجميع، وأن روسيا لا تملك حق «الفيتو» على دخول دول أوروبا الشرقية، وفي المقدمة أوكرانيا وجورجيا لحلف الناتو.
لكن هذا خلاف على المبدأ، فالناتو نفسه يرى أن أوكرانيا غير جاهزة لدخول الحلف في الوقت الحالي، وفي المدى المنظور، والجميع على قناعة كاملة بمن فيهم الأوكرانيون، أنه لو طرحت اليوم قضية دخول أوكرانيا لحلف الناتو، سوف يكون هناك معارضون كثر، وفي المقدمة منهم أكبر دولة أوروبية، وهي ألمانيا، كما أن روسيا تتحدث عن ضرورة عدم نشر أسلحة استراتيجية في القواعد الأوكرانية، وهي أيضاً قضية مبدأ، ولا يوجد لها أي تحرك على أرض الواقع، ولو كان الغرب جاداً فعلاً في نشر صواريخ نووية متوسطة أو قصيرة في أوكرانيا، ربما كان نشرها عام 2014، عندما سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم.
حتى الجدل الدبلوماسي الذي جرى بين الطرفين في محادثات جنيف وبروكسل وفيينا في يناير الماضي، كان يدور فقط حول معنى وجوهر «مبدأ الأمن للجميع».
أهداف دون رصاص
المؤكد أن روسيا حققت، من دون الحاجة لهذه الحرب، الكثير من الأهداف، وفي المقدمة منها، ما تسميه «الضمانات الأمنية»، فقبل هذه الأزمة، لم يكن هناك حديث عن هذه الضمانات، حتى عندما تصاعد التوتر في أوكرانيا في أبريل الماضي، أو عندما كاد أن يحدث اشتباك بين الأسطول الروسي والسفينة البريطانية «ترينتي»، أثناء مناورات «نسيم البحر»، التي جرت في يوليو الماضي في البحر الأسود. واليوم، أصبحت الضمانات الأمنية من القضايا السياسية على الطاولة، كما تغيرت الأجندة الغربية إلى المطالبة بعدم «غزو أوكرانيا»، وليس المطالبة بالانسحاب من شبه جزيرة القرم، كما كان قبل 15 ديسمبر الماضي. عندما طرحت روسيا هذه المطالب.
على الجانب الآخر، نجحت الولايات المتحدة وحلف الناتو، في تحقيق أهداف كثيرة، جرى التخطيط لها منذ عام 2019، أهمها ردم الفجوة الكبيرة في العتاد والتسليح بين روسيا وحلف الناتو شرقي أوروبا، نتيجة لإهمال الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما، وسمحت هذه الأزمة للولايات المتحدة وحلف الناتو، بإرسال آلاف الأطنان من السلاح إلى أوكرانيا، وتعزيز منظومة الدفاع الصاروخية في بولندا ورومانيا، وإرسال 1000 جندي إلى بلغاريا، ونحو 3000 جندي إلى بولندا وألمانيا ورومانيا، وتعزيز المطارات العسكرية لدول بحر البلطيق الثلاث، وكلها أهداف وضعها البنتاغون منذ 2019، تحت مسمى «حصن ترامب»، لتعزيز أمن دول شرق أوروبا، كما حفزت هذه الأزمة، لأول مرة منذ تأسيس الناتو، كلاً من فنلندا والسويد لدخول حلف الناتو، وكلها حقائق تقول إن الأهداف يمكن أن تتحقق من دون الدخول في الحرب.