الرئيسية / مقالات رأي / المنصب لمن يستحقه

المنصب لمن يستحقه

بقلم: طالب سعدون – وكالة الأنباء العراقية “واع”

الشرق اليوم – حراكٌ سياسيٌّ، جولاتٌ مكوكيَّة، مبادرات، لقاءات حول شكل الحكومة، وهي مسألة ليست بحاجة الى هدر كل هذا الوقت في مناقشة (بديهية) هي البرهان ولا تحتاج إلى إثبات وتشكل قاعدة لما يأتي بعدها من استنتاجات منطقية.

الديمقراطية تعني حكم الأغلبية، ليس أغلبية الشعب بل الشعب كله ممثل في البرلمان، لكن أغلبية سياسية، فيعهد إلى طرف سياسي يحصل على أعلى الأصوات بتشكيل الحكومة وإدارة شؤون البلاد لمدة معينة، فلا توجد في الديمقراطية البرلمانية حكومة توافق يدخل الجميع فيها، هذه حالة غريبة وشاذة، بل تتشكل حكومة الأغلبية النيابية من قبل حزب أو مجموعة أحزاب تشكل الأغلبية في عدد المقاعد لكي تضمن تمرير برامجها بأريحية، ويذهب الآخرون الأقل عددا إلى المعارضة لمراقبة القرارات وأداء الحكومة ومحاسبتها. إن من يأتي بالأصوات الأكثر يشكل الحكومة وهذا ما معمول به في العالم، بما في ذلك أمريكا وبريطانيا على سبيل المثال.

وفي هذه الحالة تتحقق جملة أهداف في آن واحد، حكومة قوية وبرلمان قوي ومعارضة قوية تعد نفسها للفوز في الانتخابات المقبلة من خلال أدائها النيابي والرقابي العالي.

وجود معارضة قوية يغلق الباب بوجه الفساد ويجبر الحكومة على اختيار العناصر الكفوءة للإدارة، وبذلك تضمن ذهاب المنصب لمستحقه كما هو الصوت عندما يذهب لمن يستحقه أيضا، وتغلق بورصة بيع المناصب التي ترددت كثيرا في الإعلام في مواسم تشكيل الحكومات، وطواها النسيان ولم يقف المواطن على حقيقتها، وبذلك تتحقق عملية التداول السلمي للسلطة بحق وحقيقة وتنظيم الانفاق وسد المنافذ بوجه الفساد وهدر المال العام.

ونظرة سريعة إلى حال البلاد على مدى السنوات الماضية تكشف عن هذه الحقيقة، ومستوى ما قدم من خدمات، وهل تساوي ما صرف من رواتب وامتيازات وحمايات على المناصب.

إن عدم إشغال المناصب العليا من عناصر كفوءة ومقتدرة، بسبب المحاصصة جعلها في مأمن من المحاسبة أمام الحكومة، وليس بإمكان رئيسها محاسبتها، أو تبديلها إلا بالرجوع إلى كتلهم.

ويمكن أن ينسحب الأمر على المناصب الدنيا أيضا عندما تُشغل من عناصر ليست لها علاقة باختصاص المنصب، ولا بالكفاءة التي ينبغي توفرها في الأداء ليرتقي إلى مستوى المهمة الوطنية، والسياقات المهنية.

حكومة الأغلبية ليست حالة جديدة ولا غريبة بل هي تجربة عالمية لا تشترط اشتراك الجميع، لكي يضمن الشعب محاسبتها وتحديد جهة معينة إذا ما قصرت بدل التهرب من المسؤولية بحجة مشاركة الجميع فيها، كما حصل مع الحكومات السابقة وتحميل المواطن ثمن الفشل من ماله وفرصه في الحياة المناسبة ومستوى الخدمات المقدمة إليه.

حكومة الأغلبية لا تعني شيئا، وتبقى مجرد شعار سياسي لا أكثر إن لم يكن هناك برنامج سياسي واضح وحركة إصلاح حقيقية في الدولة وادارتها، خاصة في المفاصل الاساسية التي شغلت على مدى السنوات الماضية على أساس التوافقات وتقاسم الوزارات والمؤسسات واشغالها من عناصر لم تكن بمستوى المهمة ومواصفات الموقع من حيث الكفاءة والنزاهة والاختصاص وتقديم الخدمات لعموم البلاد وللمكون، الذي تدعي تمثيله ومكافحة الفساد نزولا إلى الحلقات الدنيا في المؤسسات بما يضمن تقديم أفضل الخدمات، خاصة في المرافق الأساسية كالكهرباء – على سبيل المثال ليس إلى المنازل والمكاتب فقط، بل إلى المصانع والمزارع كذلك لتحقيق إنتاج ينعكس على العمل وتشغيل العاطلين. بخلاف ذلك يزداد الوضع سوءا وينعكس على الأحزاب وعلاقتها مع المجتمع بما لا تتمناه، باختصار الديمقراطية ليست وسيلة للوصول إلى السلطة بحد ذاتها وإنما هي وسيلة لتنفيذ برامج جرى على أساسها اختيار هذا الطرف وإبعاد ذاك، وتخضع للفحص والمراقبة من خلال مجلس النواب، وسيكون المجلس ضعيفا إن غابت المعارضة فيه، فلا ديمقراطية حقيقية بلا ثنائية متلازمة، حكومة ومعارضة لبناء دولة المواطنة، وليس المحاصصة على أساس التوافق والمكونات.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …