بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- ليبيا التي دفعت منذ أكثر من عقد ثمن انقساماتها الداخلية حروباً واقتتالاً بين القوى السياسية من مختلف الاتجاهات، تدفع اليوم ثمن عودة الاستقطاب الأمريكي – الروسي إلى الساحة الدولية.
وأسطع مثال على ذلك، المواجهة التي دارت في مجلس الأمن بين الولايات المتحدة وروسيا حول التجديد للبعثة الأممية في ليبيا. واشنطن طالبت بإبقاء ستيفاني وليامز على رأس هذه البعثة بالوكالة، بينما رأت روسيا أنه يجب على الأمين العام للأمم المتحدة أن يعين “من دون تأخير” مبعوثاً خاصاً جديداً على رأس البعثة إلى ليبيا وإزاحة وليامز من المشهد. وهددت واشنطن وموسكو باستخدام الفيتو في حال طرح أي منهما مشروع قرار يتعارض مع ما يطالب به الطرف الآخر.
وبعد أخذٍ وردٍ طويلين، تم التوصل إلى صيغة اقترحتها بريطانيا بالتجديد لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا ثلاثة أشهر فقط، بينما كان المطروح في الأصل أن يجري التمديد حتى أيلول (سبتمبر).
وكان المبعوث الخاص السابق السلوفاكي يان كوبيش استقال فجأة من رئاسة البعثة في تشرين الثاني (نوفمبر)، في خطوة عزتها مصادر دبلوماسية إلى خلافات بينه وبين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تتعلق بالعملية الانتخابية في ليبيا.
ومنذ استقالة كوبيش، تشغل وليامز منصبه بالإنابة، إذ إنّ الأمين العام للأمم المتحدة استدعاها بعد عام تقريباً من غيابها عن هذا الملف لتسلمه مجدّداً، ومنحها رسمياً منصب “مستشارة خاصة”.
وبهذه الطريقة الإلتفافية، استغنى غوتيريش عن موافقة مجلس الأمن على اختيار الشخص، وهو قرار دقيق منذ سنوات بسبب صراعات النفوذ التي تخوضها القوى العظمى في الملف الليبي.
وجدير بالذكر أن وليامز، اضطلعت بدور رئيسي في وضع خريطة الطريق السياسية في مؤتمر الحوار الليبي في جنيف العام الماضي، والذي أفضى إلى انتخاب عبدالحميد الدبيبة رئيساً لحكومة وحدة وطنية، ألقيت على عاتقها مهمة التحضير لانتخابات رئاسية في 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. لكن الخلافات السياسية الداخلية، نسفت الانتخابات من دون التمكن من الاتفاق على موعد جديد.
وعكس التجاذب الأمريكي – الروسي مزيداً من الانقسام في الداخل الليبي، إذ إن مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح الذي يتخذ طبرق في شرق البلاد مقراً له، قرر تعيين رئيس جديد للوزراء خلفاً للدبيبة، بينما يتمسك الأخير بمنصبه ويعتبر أن أي محاولة لتغييره غير قانونية.
ويعتبر مجلس النواب أن مهمة الدبيبة قد انتهت مع الإخفاق في إجراء الانتخابات الرئاسية، وأنه لا بد من وضع خريطة طريق جديدة لإخراج البلاد من المأزق السياسي الذي وصلت إليه.
أما وليامز، فكانت طالبت مراراً بأن يركز مجلس النواب على تحديد موعد جديد للانتخابات عوض تغيير الحكومة، والتسبب في إطالة الأزمة السياسية والمراحل الانتقالية.
والانقسام الليبي الجديد يهدد بإطاحة التقدم الذي حصل خلال نحو عام على صعيد العملية السياسة، ويعود بالأمور إلى المربع الأول. ولن يكون متاحاً التوصل إلى اتفاق جديد على المرحلة المقبلة من دون الأخذ في الاعتبار المصالح الأمريكية والروسية.
ويغذي التوتر الدائر حول أوكرانيا الصراع على النفوذ بين واشنطن وموسكو في أكثر من منطقة في العالم. وليبيا هي نموذج لما يمكن أن ينشأ من صراعات أخرى. ولا يمكن استثناء موجة الانقلابات التي تضرب دول منطقة الساحل في غرب أفريقيا، عن الصراع الغربي – الروسي، في عالم ربما يكون على أهبة الانتقال إلى نظام دولي جديد في ظل تراجع ملحوظ في النفوذ الدولي للولايات المتحدة، كما أثبت الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وصعود قوى عالمية جديدة مثل روسيا والصين.
وإذا كان من المبكر الحكم على مآلات الأمور، فإن الملموس الآن أن هناك صراعاً شرساً بين الولايات المتحدة وروسيا على النفوذ في ليبيا.