الرئيسية / مقالات رأي / لماذا يشكّك الغرب بألمانيا؟

لماذا يشكّك الغرب بألمانيا؟

بقلم: سميح صعب – النهار العربي 

الشرق اليوم – لم تمهل الأزمة الأوكرانية المستشار الألماني الجديد الديموقرطي الاشتراكي أولاف شولتس كثيراً. إذ أتى ترؤسه الحكومة الائتلافية وسط توتر لم تشهده أوروبا منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي قبل 30 عاماً. والمطلوب من ألمانيا على جانبي النزاع تحديد موقف واضح. وهذا ما أوقع الحكومة الجديدة في الإرباك.   

من جهة تضغط واشنطن ودول حلف شمال الأطلسي الأخرى على برلين كي تتخذ موقفاً أكثر تشدداً حيال موسكو. وقابلت الولايات المتحدة بفتور، الموقف الألماني الرافض إرسال أسلحة إلى أوكرانيا على غرار دول أخرى في الحلف. أميركا وبريطانيا أقامتا جسراً جوياً لنقل الأسلحة “الفتاكة” إلى كييف. والبنتاغون في صدد إرسال ثمانية آلاف جندي إلى دول الخط الأمامي مع روسيا مثل بولندا وجمهوريات البلطيق. وفرنسا بعثت بجنود إلى رومانيا. 

لكن ألمانيا اعتبرت أن إرسال الأسلحة لا يساهم في ردع روسيا، بل يؤجج التصعيد. وذهبت برلين خطوة أخرى في هذا الاتجاه عندما منعت إستونيا، حليفتها في الأطلسي، من إرسال أسلحة إلى أوكرانيا إذا كانت ألمانية المنشأ.   

هذا الموقف جعل مسؤولين غربيين يصفون الموقف الألماني بالملتبس. ولم يهدئ إعلان شولتس أن خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم-2” سيكون ضمن أي عقوبات يقررها الاتحاد الأوروبي على روسيا إذا غزت روسيا أوكرانيا، الشكوك المتنامية في أوروبا والغرب حيال الموقف الألماني. 

البعض يعزو التردد الألماني إلى حاجة برلين إلى الغاز الروسي. فألمانيا تعتمد على 40 في المئة من غازها المستورد، على روسيا. ولنزع هذه الحجة، سارع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الطلب من قطر تحويل شحناتها من الغاز المتجهة إلى آسيا، إلى أوروبا، كما أنه أمر بإرسال ناقلات للغاز الأميركي إلى أوروبا، كرسالة تطمين إلى ألمانيا وحلفاء آخرين قد يترددون في الانضمام إلى حملة دعم أوكرانيا وفرض العقوبات الشديدة على روسيا. 

ينظر الغربيون إلى ألمانيا على أنها نقطة الضعف التي تجعل الموقف الغربي أقل صلابة، كما أنه يبعث برسالة خاطئة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفادها أن الغرب ليس موحداً ضده، وتالياً قد يشجعه ذلك على قرار الغزو.   

ووقت تحتشد فيه القوات وتجري المناورات على الجبهات المتقابلة ويضيق هامش الدبلوماسية، يزداد الإلحاح الغربي على ألمانيا، كي تظهر مزيداً من الحزم في الملف الأوكراني، حتى ولو تضررت مصالحها الاقتصادية، من قطع الغاز الروسي.

ومشكلة شولتس أنه لم يتسنّ له الوقت كي يبادر إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية، من طريق منح مجموعة مينسك، مجالاً أوسع لتحقيق اختراق دبلوماسي ونزع فتيل التوتر. كان يمكن ألمانيا وفرنسا أن تضطلعا بدور دبلوماسي أكبر لحل الأزمة، قبل أن تستفحل وتبلغ هذا المستوى من التصعيد الذي ينذر بحرب أميركية – روسية على الأراضي الأوروبية، في حدث لم يشهده العالم حتى إبان ذروة الاستقطاب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق. 

ومن الجانب الروسي، يعوّل بوتين ولا شك، على أن يشكل الموقف الألماني ثغرة في جدار الردع السميك الذي يبنيه حلف شمال الأطلسي على حدود روسيا اليوم. 

ألمانيا التي لم تنس ويلات الحرب العالمية الثانية، لا تريد أن تكون طرفاً في حرب مدمرة أخرى. وفي الوقت ذاته، فإن حدود تأثيرها محدودة في مجريات حوادث، بات للولايات المتحدة الآن الكلمة العليا فيها من الجانب الغربي، وأطيحت أحلام تشكيل قوة دفاع أوروبية مستقلة، كخطوة لقرار مستقل عن أميركا. بعد أزمة أوكرانيا، بات هذا الهدف صعباً إن لم يكن مستحيلاً.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …