الرئيسية / مقالات رأي / الصناعات العسكرية الأوروبية

الصناعات العسكرية الأوروبية

بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- تواجه أوروبا في المرحلة الحالية تحديات كبرى على مستوى الأمن القومي لدولها، بالنظر إلى المخاطر الخارجية والخلافات الداخلية بين دول غرب أوروبا وشرقها، بسبب اختلاف الأجندات السياسية وتضارب المصالح بين دول المجموعة الأوروبية، وذلك فضلاً عن تعدد المقاربات الجيوسياسية بشأن طبيعة التهديدات الخارجية؛ وينعكس كل ذلك بشكل سلبي على مشروع الدفاع الأوروبي المشترك الذي تسعى إلى تجسيده كل من ألمانيا وفرنسا بشكل مستقل، وبعيداً عن وصاية حلف الناتو، كما يؤثر اختلاف زوايا الرؤية بين شطري أوروبا على مشاريع تطوير الصناعات العسكرية، بسبب تفضيل العديد من الدول الأوروبية للمعدات العسكرية الأمريكية على حساب ما ينتج محلياً في غرب القارة، لاسيما في فرنسا وألمانيا وإيطاليا.

 وتمثل الصناعة العسكرية الفرنسية أهم وأقوى مصادر إنتاج المعدات الدفاعية في دول الاتحاد الأوروبي، وتعتبر فرنسا الآن الدولة الأوروبية الوحيدة التي تمتلك سلاح الردع النووي، وبخاصة بعد إتمام المملكة المتحدة لإجراءات البريكسيت؛ حيث استطاعت فرنسا أن تحتل مرتبة متقدمة في قائمة الدول المصدرة للسلاح في العالم إلى جانب أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا. وتعتمد باريس بالدرجة الأولى على ما تمتلكه من قاعدة صناعية جيدة في مجال الدفاع الجوي والبحري، وقد نجحت إلى حد بعيد في المحافظة على حصة سوقية محترمة في مجال الإنتاج الحربي على الرغم من المنافسة الشرسة مع الصين وروسيا وداخل المعسكر الغربي نفسه بزعامة واشنطن ولندن، وهي المنافسة التي كان من نتائجها خسارة فرنسا مؤخراً لصفقة تزويد أستراليا بالغواصات.

 وتشير التقارير المتعلقة بالصناعات العسكرية الفرنسية إلى أن قيمة المبيعات العسكرية لباريس بلغت سنة 2019 حوالي 7,5 مليار يورور، بتراجع خفيف قدر ب 2,6 في المئة، وبالإضافة إلى التطور الذي عرفته الصناعات الجوية بفضل مبيعات طائرات “الرافال”، فإن التطور اللافت للصناعات العسكرية الفرنسية حدث على مستوى المعدات والتجهيزات الإلكترونية والأنظمة الدفاعية المتعلقة بالرادارات ومنظومات التشويش، إذ حققت هذه الصناعات معدل 25 في المئة من إجمالي الصادرات العسكرية. وتعمل فرنسا بالتنسيق مع ألمانيا على إقناع دول الاتحاد الأوروبي من أجل تطوير الصناعات العسكرية الأوروبية لتمكين أوروبا من الاعتماد على قدراتها العسكرية الذاتية، وبخاصة بعد مسلسل التراجع الذي شهده حلف الناتو في عهد الرئيس الأمريكي السابق؛ كما تراهن باريس على توطيد شراكتها مع إفريقيا من أجل مضاعفة صادراتها العسكرية إلى الخارج، وتحاول بشكل واضح أن توظف رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي للدفاع عن مصالحها في إفريقيا.

 وتحاول ألمانيا من جانبها أن تعتمد على قاعدتها الصناعية، لتنويع منتجاتها العسكرية، فقد استطاعت برلين أن تحصل، خلال السنوات الأخيرة، على حصة معتبرة من سوق الصادرات العسكرية الأوروبية نحو دول الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، وهي مرشحة لأن تكون من الدول الرائدة في تصدير المعدات العسكرية داخل أوروبا وخارجها، بعد أن بدأت تتخلص من الآثار النفسية التي لحقت بها جراء التداعيات السلبية للحرب العالمية الثانية على المجتمع الألماني بكل أطيافه.

 وتشكل إيطاليا في السياق نفسه مكوِّناً رئيسياً من المثلث الصناعي العسكري الذي من المنتظر أن يسمح لأوروبا بتجسيد طموحها في أن تتحوّل بشكل تدريجي إلى قوة عسكرية قادرة على ضمان أمنها الاستراتيجي، وبخاصة أن إيطاليا تملك قاعدة صلبة للصناعة العسكرية، وتقدم منتجات معروفة بقدرتها التنافسية، وقد بلغت الميزانية العسكرية لإيطاليا سنة 2019 حوالي 26,8 مليار دولار، وهي مرشحة لأن تعرف ارتفاعاً ملموساً خلال السنوات المقبلة.

 إن الصناعة العسكرية الأوروبية، تملك مؤهلات قوية من أجل أن تستعيد موقعها على المستوى العالمي في سياق دولي، يتميز بتنافس محموم بين واشنطن من جهة وبكين وموسكو من جهة أخرى، ومن المتوقع أن تفوق نسبة نمو الصناعة العسكرية الأوروبية في العشر سنوات المقبلة كل التوقعات، وبخاصة إذا استطاعت دول شرق أوروبا أن تتخلص من تبعيتها للمعدات العسكرية والأمنية الأمريكية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …