بقلم: أزراج عمر – النهار العربي
الشرق اليوم – أخيراً أدركت الجهات الجزائرية المسؤولة عن قطاع التشغيل أن نسبة 70 في المئة من المشاريع التي ظهرت إلى الوجود في مرحلة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة وفي إطار برنامجه القاضي بتشغيل الشباب المسمى “أنساج” قد فشلت ولم تساهم في القضاء على البطالة أو في إنتاج الثروة التي يحتاجها المجتمع الجزائري.
وفي هذا الأسبوع قررت حكومة أيمن بن عبدالرحمان محو آثار قروض دعم الشباب التي تحولت إلى كابوس يخنق شريحة الشباب، علماً أن الرئيس الراحل هو الذي صمَم آلية “أنساج”.
وبمحو آثار قروض دعم الشباب يبدو واضحاً أن الرئيس عبدالمجيد تبّون قرر تصفية أحد العناصر الأساسية من الميراث السلبي الذي ورثه عن سلفه بوتفليقة. ويؤكد هذا التوجه قرار الرئيس تبون الذي اتخذه في الاجتماع الذي عقده خلال هذا الأسبوع مجلس الوزراء برئاسته وطالب فيه الوزراء بضرورة النهوض بالقطاع الفلاحي والاستثمار فيه وذلك بتفعيل خطة عمل متكاملة يجب أن تلتزم الحكومة تطبيقها.
ويرى مراقبون سياسيون جزائريون أن الرئيس تبون يريد أن تلتزم مؤسسات الشباب الصغرى والمتوسطة استراتيجية الانخراط في القطاع الفلاحي والابتعاد من المشاريع الاستثمارية التي تدور في فلك الاستيراد بالعملة الصعبة وتكريس الاستهلاك بدلاً من إنتاج الثروة ذاتياً وخلق مناصب الشغل لمحاربة البطالة التي تعتبر من أكبر العقبات التي تحول دون التنمية الوطنية العصرية.
ومن المعروف أن قطاع الفلاحة واسع ومتنوع ويشمل الزراعة والفلاحة والثروة الحيوانية وغيرها، وفي هذا الخصوص ربط الرئيس الجزائري عضوياً بين أنماط هذه الثروات وبين الأمن الغذائي والاستقلال الوطني.
لكن هذه التصورات، لما ينبغي أن يحدث في مجال تشغيل الشباب والاستثمار المخطط له، لن تجدي نفعاً في غياب عوامل أساسية في مقدمتها انعدام التكوين المهني العصري والمتطور لفئة الشباب والشابات الراغبين والراغبات في العمل في مجالات الفلاحة والزراعة والصناعات الغذائية.
وفي الحقيقة فإن الذي يحدث راهناً من سلبيات في هذه القطاعات هو نتاج لفشل منظومة التعليم المهني الجزائري ومنظومة التعليم العام الذي بقي يدور في مجالات العلوم النظرية المحدودة والمجردة والأخلاقيات والدين، وجراء ذلك لم يرتبط التعليم الجزائري، منذ الاستقلال إلى الآن، بكل أنماطه عضوياً ومصيرياً بأي مشروع منتج للثروة التي توفر الأمن الغذائي والرأسمال المادي القادرين على دحر الأزمات الطارئة.
وفي ما يلي نظرة سريعة على إخفاقات التنمية الفلاحية والزراعية ومنظومة التعليم العام والمهني التي رافقت مرحلة الاستقلال حتى الآن.
ففي عهد الرئيس بومدين رفع شعار الثورة الفلاحية والزراعية ولكن هذا الشعار باء بالفشل لأن ما تم عمله كان مجرد حذلقة سياسية وأيديولوجية اشتراكية مغرقة في التخلف واستيراد تجارب التسيير الذاتي للقطاع الفلاحي والزراعي من يوغوسلافيا سابقاً مع تجميد ذلك كله داخل نسق احتكار الدولة للسوق وكبت مبادرات الفلاحين والمزارعين.
وفضلاً عن ذلك فقد فشل المسؤولون الجزائريون في ربط منظومة التعليم بإنتاج الثروة الفلاحية والزراعية وغيرها من أنماط الثروات المادية والرمزية، ويرجع السبب في ذلك إلى إخفاق تجربة المدرسة الأساسية في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد حيث كان استيراد مشروع هذه المدرسة حينذاك من ألمانيا الديموقراطية سابقاً بشكل غير مدروس تقنياً وتربوياً ونفسياً ولم يمهد له مسبقاً بتكوين الأطر الجزائرية القادرة على تجسيد أهداف المدرسة الأساسية وفي طليعتها نشر الثقافة الصناعية والتقنية النظرية والعملية بين صفوف الطلاب والطالبات على مستوى التعليم الابتدائي والإكمالي، وخلق البيئة الاجتماعية ذات البعد التقني والعلمي التي توفر المناخ الكفيل بتعليم أجيال الطلاب أسس التعليمين التقني والصناعي نظرياً وتفعيلهما ميدانياً بشكل صحيح وعلى نحو متزامن أيضاً.
وجراء عدم نجاح تجربة المدرسة الأساسية في نموذجها الألماني الشرقي في الجزائر فقد تكرس في مرحلة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد غياب رأسمال ثقافة إنتاج الثروة في قطاعات الفلاحة والزراعة والصناعات الغذائية الخفيفة وغيرها.
أما مرحلة العشرية الدموية فقد تميزت بجمود كل البنيات والمؤسسات الوطنية الصغرى والكبرى التي يفترض أن تكون منتجة للثروة بكل أنواعها مثلما أصيبت المنظومة التعليمية العامة والمهنية بالشلل، الأمر الذي كاد يعصف بأركان الدولة، وبالنتيجة فقد سادت في الجزائر ظاهرة استيراد كل شيء من الخارج وتغطية ذلك مالياً من عائدات البترول والغاز.
أما في مرحلة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فقد تمَ ربط تشغيل الشباب بدءاً من العهدة الثالثة بالولاء له وبتجديد انتخابه على رأس الدولة وجراء ذلك تم توظَيف برنامج التشغيل لأغراض انتخابية على نحو كرَس لعبة شراء الذمم.
ففي ذلك المناخ اقترن مجال تشغيل الشباب وتقديم القروض المخملية بالغياب الكامل للتوجيه والرقابة الأمر الذي حوّل مئات الآلاف من الشبان الحاصلين على قروض دعم الشباب في إطار مؤسسة تشغيل الشباب “أنساج” إلى مجرد كومبارس انتخابي فقط، ولقد أدى ذلك إلى جعلهم شريحة مثقلة بالديون وبالفساد السياسي والاستغراق في فتح مؤسسات تنتج الكماليات التي لا علاقة لها بالأمن الغذائي مثل صناعة الشكولاتة والحلويات التي تستورد موادها الأولية من الخارج. ولقد استبعد التركيز على إلزام الشباب بتأسيس المؤسسات المصغرة والمتوسطة المنتجة للثروة الوطنية في كل المجالات بما في ذلك الصناعات التقليدية ذات الطابع الثقافي والفني، وكذا الصناعات الغذائية التحويلية الأساسية التي توفر الغذاء للمواطنين والمواطنات.
أما في الوقت الحالي فيلاحظ المراقبون لشؤون التنمية في الجزائر أن مشروع تحريك عربة تشغيل الشباب تقوده مؤسسة الرئاسة والشخصيات الفاعلة في أجهزة النظام الحاكم في الجزائر، وفي هذا الخصوص فإنها تبذل الجهود عبر إصدار قوانين جديدة بقصد إعادة تنظيم العلاقة الصحية بين الشباب وبين مؤسسات التشغيل من جهة وبينهم وبين الجهات التي توفر القروض لمؤسساتهم الناشئة أو المصغرة أو المتوسطة.
إلى جانب ما تقدم فإن مؤسسة الرئاسة عينت وزيرين شابين منتدبين مكلفين بالمؤسسات المصغرة والناشئة والمتوسطة وباقتصاد المعرفة، وبإسناد كل ذلك بالهياكل المادية والمعنوية الحاضنة للمشاريع، ويعول الرئيس الجزائري على أن تنتج هذه المساعي بعض الديناميكية الإيجابية في مجالات القضاء على البطالة وتوفير فرص الشغل للشباب وصنع الثروة التي تؤمَن الأمن الغذائي للمواطنين.
ولكن هناك من يرى أن هذه الجهود الإيجابية المبذولة قد يعوقها استيراد أبجديات هذا المشروع من أميركا، ومحدودية تجربة هذين الوزيرين الشابين والمجموعات البشرية المحيطة بهما وهو الأمر الذي يمكن أن يبقي الوضع يدور في فلك محاكاة المشاريع الأجنبية والتجريب الشكلي للوزراء الشبان الذين يفتقدون النضج السياسي.