الشرق اليوم- رغم تحذير إدارة بايدن وبعض الحلفاء في الناتو من احتمال أن تتعرض أوكرانيا لغزو روسي في أي لحظة، حافظ المسؤولون في كييف على هدوئهم، فأصرّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على اعتبار استفزازات روسيا مشابهة لما كانت عليه حين أرسل الكرملين قواته العسكرية إلى أوكرانيا للمرة الأولى في عام 2014.
لكن البرلمان الأوكراني صادق على قانون توسّعي يسمح للجيش بتسليح الميليشيات المحلية بطلبٍ من زيلينسكي قبل أن تبدأ روسيا بحشدها العسكري الأخير في مارس 2021، ووراء الكواليس بدأت وزارة الدفاع الأوكرانية تضع خططاً مكثفة لتنظيم مقاومة شعبية ضد الغزو الروسي المتجدد، على أن تشمل جميع فئات المجتمع الأوكراني وترتكز على خطة مشتركة مع الجيوش الأوكرانية.
ويدرك المسؤولون الأوكرانيون نقاط ضعف خطتهم، فخلال العقود الأخيرة أدى تسليح المدنيين عشوائياً إلى كارثة واضحة، وانتهى قرار إدارة أوباما بتقديم الأسلحة إلى الثوار الليبيين في عام 2011 مثلاً بكارثة فعلية، حين وصل جزء من تلك الأسلحة في نهاية المطاف إلى المتشددين الإسلاميين، وتُصِرّ وزارة الدفاع الأوكرانية على امتلاكها أسلحة وذخائر كافية لتسليح 150 كتيبة ووحدة جديدة في المدن الأكبر حجماً، كما أنها تنوي تنظيم التدريبات في أنحاء البلد، لكن وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف وكبار المسؤولين الآخرين يتابعون العمل على إنشاء وحدة قيادة وتحكّم بين القوات الناشطة والمدافعين عن الأراضي، فضلاً عن تأمين مساحات واسعة لتخزين الأسلحة، لكن اعترف ريزنيكوف بأن العاملين في مراكز التدريب لم يطلعوا على الخطة بعد.
صرّح مسؤول عسكري غربي لصحيفة “فورين بوليسي” بأن الصراع سيعيد محاربين قدامى إلى الخدمة العسكرية على الأرجح، لكن لم يتّضح بعد مستوى الخبرة العسكرية التي ستتعامل معها القوات الأوكرانية حين تبدأ بتدريب المدافعين الجدد عن الأراضي، وتتكل أوكرانيا على 10 آلاف متعاقد عسكري لمساعدتها على بناء قوتها، لكنها ستضطر سريعاً لانتقاء وتدريب 130 ألف مدافع جديد ووحدات تطوعية أخرى للدفاع عن المدن والبلدات، وأعلنت وزارة الخارجية الأوكرانية أن ألوية الدفاع الإقليمية سبق أن جمعت 70% من قدراتها وستكتمل بنيتها القيادية خلال شهر، فقد نشأ نموذج مشابه من الميليشيات في أفغانستان في عام 2018 للدفاع عن المناطق التي تم تطهيرها من المتمردين، لكن واجهت تلك القوة انتقادات كثيرة بسبب غياب البنية القيادية، وعبّرت الجماعات الحقوقية عن قلقها من حصول انتهاكات محتملة على يد تلك الوحدات. لكن لا يتعلق الهدف الأوكراني الأساسي بحشد التقنيات أو المهارات في ساحة المعركة بقدر ما يتمحور حول الاستعداد للقتال. قد تكون التحضيرات الأوكرانية لإطلاق حركة تمرد دموية كفيلة بإثارة استياء الكرملين الذي أصبح معتاداً على تقييم الخسائر في السنوات الأخيرة، فخلال عملية غزو شرق أوكرانيا والمهمة الرامية إلى دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، اتكلت القوات الروسية المسلّحة على اقتصاد القوة.
أدت الحرب السوفياتية الأخيرة وغزو أفغانستان إلى تكبّد خسائر هائلة، ولا تزال تلك الأحداث حية في الذاكرة، فقد وَرِث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند وصوله إلى السلطة الحرب الروسية الثانية في الشيشان، حيث شاركت القوات الروسية في واحدة من أشرس المعارك في المدن في آخر عشرين سنة.
قد يتزامن أي صراع دموي في أوكرانيا مع تصاعد نقاط الضعف السياسية لبوتين، ففي السنة الماضية، أدى احتجاز زعيم المعارضة ألكسي نافالني في روسيا إلى نزول عشرات آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، وهو مؤشر على توسّع مشاعر الاستياء نتيجة الركود الاقتصادي وفساد الكرملين.
يقول مسؤول دفاعي أمريكي سابق: “حين نحاول تخمين ما يريد بوتين فعله، سنكون أمام لعبة أرقام معقدة: هل يستطيع تحقيق هدفه من دون تكبّد الخسائر وزعزعة التوازن السياسي المحلي في روسيا وتعريض نظامه للخطر؟”.