الشرق اليوم- وجهت ليتوانيا “طعنة في عيني بكين” مرتين خلال بضعة أشهر بعد أن اندلع “خلاف غريب” العام الماضي بين الدولة الأوروبية الصغيرة والصين التي تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وبدأت شرارة الخلاف عندما انسحبت ليتوانيا من ما يسمى بمجموعة “17+1″، وهي منتدى تشارك فيه 17 دولة من شرق ووسط أوروبا مع الصين، قبل تشجيع الدول الأخرى على فعل الشيء نفسه.
ولا ترحب بكين بالتراجع الأوروبي عن سياساتها بتاتا قياسا على المصالح التجارية العديدة لبكين في القارة، لا سيما فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق التي تتركز على مشاريع البنية التحتية.
وفي نوفمبر، أصبحت ليتوانيا أول دولة أوروبية تسمح لتايوان المتمتعة بالحكم الذاتي بفتح “سفارة بحكم الأمر الواقع” تحت اسم “تايوان”. وتستخدم دول أخرى في أوروبا إضافة إلى الولايات المتحدة اسم “تايبيه” – عاصمة تايوان – لمكاتب تمثيل البلاد لتجنب الإشارة التي توحي باستقلال الجزيرة عن الصين.
وقالت وزارة الخارجية التايوانية إن افتتاح مكتب التمثيل التايواني في فيلنيوس – عاصمة ليتوانيا – سوف “يرسم مسارا جديدا وواعدا للعلاقات الثنائية بين تايوان وليتوانيا”.
في المقابل، أثارت هذه الخطوة غضب بكين، التي رأت أنها إهانة لمبدأ “الصين الواحدة” الذي يعتبر أن تايوان جزءا من الصين، وليس دولة مستقلة ذات سيادة، على الرغم من حكم الجانبين بشكل منفصل لأكثر من سبعة عقود بعد حرب أهلية.
وتقول ليتوانيا إن مكتب تايوان الجديد لا يتمتع بوضع دبلوماسي رسمي ولا يتعارض مع سياسة الصين الواحدة. لكن بكين ردت على الفور بخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع فيلنيوس.
والخميس، رفع الاتحاد الأوروبي قضية ضد الصين في منظمة التجارة العالمية، متهما بكين بـ “ممارسات تجارية تمييزية ضد ليتوانيا، والتي تضر أيضا بصادرات أخرى من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي”.
وزعمت ليتوانيا أيضا أن الصين منعت البضائع الليتوانية من دخول أراضيها، مما أدى إلى إنشاء حاجز تجاري بين البلدين. ورفضت الحكومة الصينية مرارا وتكرارا هذه المزاعم، وألقت باللوم على ليتوانيا في الإضرار بـ “المصلحة الجوهرية” للصين ودفع العلاقات الثنائية إلى حالة من الجمود الشديد.
إلى ذلك، ردت تايوان بشراء المنتجات الليتوانية الموجهة للصين، وتعهدت باستثمار مئات الملايين من الدولارات في الصناعة الليتوانية لدعم البلاد في مواجهة الضغوط الصينية.
وتقول شبكة “سي إن إن” إن هذا الخلاف الذي يبدو وكأنه صغيرا يجعل الاتحاد الأوروبي على المحك بشأن إيجاد طريقة لتحقيق التوازن بين علاقاته الاقتصادية مع الصين وواجباته تجاه الدول الأعضاء والقيم الأخلاقية التي يمتلكها.
في عام 1990، أصبحت ليتوانيا أول عضو في الاتحاد السوفيتي يعلن الاستقلال عن الحزب الشيوعي الحاكم في موسكو قبل أن تنضم الدولة البالغ تعدادها 3 ملايين نسمة، للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 2004.
وقال رئيس الوزراء الليتواني السابق، أندريوس كوبيليوس، لشبكة “سي إن إن”، “الصين بحاجة إلى تعلم الدروس بعد أن سُمح لهم بالتصرف بطريقة لا تلتزم بقيمنا، وذلك ببساطة لأنهم كانوا أثرياء للغاية”.
وتابع: “لا أرى أن دول الاتحاد الاوروبي الكبرى كانت ستأخذ على عاتقها مهمة الوقوف (ضد الصين). ربما تكون البداية من ليتوانيا قبل الوصول للآخرين ومع الوقت ستقف أوروبا متحدة ضد دولة لا تفي بمعاييرنا”.
بالنسبة لليتوانيا، يعتبر هذا الموقف المتشدد أكثر من مجرد رسالة أخلاقية. ويقول المسؤولون الذين تحدثوا إلى الشبكة الأميركية إنهم من خلال الوقوف في وجه الصين، يأملون أيضا في إرسال رسالة إلى موسكو.
وقالت رئيسة المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية، فيلينا تشاكاروفا، أن ليتوانيا “كانت تحت ضغط روسي دائم منذ انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي”.
وأضافت: “تريد ليتوانيا أن تكون قدوة داخل أعضاء الاتحاد الأوروبي بإرسال رسالة مفادها أنه لن يخضع أحد لأنظمة استبدادية في بكين وموسكو”.
المصدر: الحرة