بقلم: رندة تقي الدين – النهار العربي
الشرق اليوم – اقترب موعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ترشيحه لولاية رئاسية ثانية. يبقى أقل من ثلاثة أشهر للدورة الأولى في 10 نيسان (أبريل) من الانتخابات الرئاسية و4 آذار (مارس) هو الموعد الأقصى لإعلان الترشيحات رسمياً و11 آذار (مارس) لتقديم لائحة الترشيحات الرسمية.
فيبقى لماكرون أقل من شهرين لإعلان عن ترشيحه الذي بات مؤكداً رغم أنه لم يعلنه. وتتوقع أوساط قريبة منه أن يتم إعلانه قريباً جداً. حتى أن البعض بدأ يضع على شبكات التواصل الاجتماعي شعار حملته الانتخابية “معكم”. منذ أن بدأت الحملة الانتخابية للرئاسة من بضعة أشهر وماكرون في طليعة استطلاعات الرأي مع 25 في المئة من التأييد وتليه بالتساوي كل من مارين لوبن رئيسة التجمع الوطني وفاليري بيكريس مرشحة حزب الجمهوريين اليميني الوسطي التقليدي.
بانتظار إعلان ماكرون ترشيحه تحركه داخل فرنسا مستمر في كل أنحاء البلد حيث القضايا الساخنة فيها تلعب دوراً مهماً في اختيار المرشح مع اهتمام اولوي للملف الصحي ومكافحة الكوفيد وأوميكرون واتخاذ القرارات التي تلقى معارضة وانتقاداً لاذعاً من أخصامه في اليسار واليمين وتأييداً من أغلبية الشعب.
أما على الصعيد الدبلوماسي فقد تسلم رئاسة الاتحاد الأوروبي منذ أول السنة وناقوس خطر حرب روسية – أوكرانية يدق باب أوروبا والعالم. فلم يترك ملف أوكرانيا للرئيس الأميركي جو بايدن وحده. أسرع في لقاء مع شريكه الألماني المستشار أولف شولتز من أجل تنسيق الموقف وإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم غزو أوكرانيا. واتصل هاتفياً ببوتين ليتحاور معه ويحذره من عواقب غزو أوكرانيا كما استمع الى مطالبة روسيا إعطاء الضمانات لإيران بالنسبة للملف النووي على ألّا تنسحب أميركا من الاتفاق مجدداً إذا تمت العودة إليه. وماكرون أكد ضرورة إعادة وضع برنامج إيران النووي تحت المراقبة. ثم اتصل بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وطالبه بالإسراع للتقدم في مفاوضات الملف النووي للتوصل إلى حل. وفي حديثه مع نظيره الإيراني دان مجدداً الهجوم الذي حدث على الإمارات واتفقا على ضرورة التوصل الى حل سياسي لحرب اليمن وأثار معه موضوع أمن الخليج، مؤكداً أن السلام في هذه المنطقة أساسي وأثار معه الوضع في لبنان وضرورة دفع أصدقائهم في لبنان إلى عدم عرقلة العمل الحكومي. وفي سياق تحركاته المهمة لأوروبا اتصل بالرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي ليؤكد له تضامن فرنسا وحرصه على حماية سيادة كامل أراضي أوكرانيا في الوضع البالغ التقلب الحالي ووضعه في علم ما جرى من حوار بينه وبين بوتين حول أوكرانيا.
على صعيد شمال أفريقيا أجرى اتصالات مع الرئيس التونسي قيس سعيد في منتصف كانون الثاني (يناير) ليشجعه على وضع برنامج إصلاحات اقتصادية لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس حالياً ودعاه إلى المشاركة في القمة الأوروبية – الأفريقية في 17 و18 من شباط (فبراير). ودعا إلى الإليزيه الفرنسيين العائدين من الجزائر معرباً عن امتنان فرنسا لهم ومعترفاً بمجزرتين في الجزائر بعد اتفاقيات ايفيان وهذا في إطار جهوده لتهدئة ذكرى حرب الجزائر مع لفتة مهمة للفرنسيين المولودين في الجزائر pieds noirs وعددهم كبير في فرنسا.
وأجرى ماكرون اتصالاً هاتفياً مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبّون في سياق تهدئة ذكرى الاستعمار والحرب الجزائرية، موضحاً أنه مستعد للعمل مع نظيره لهذا الموضوع خصوصاً للبحث حول المفقودين وصيانة المدافن الأوروبية في الجزائر. حرب الجزائر ومسألة الذاكرة تلعب دوراً مهماً في الرأي العام الفرنسي.
والرئيس الفرنسي المرشح غير المعلن يبحث حالياً في إخراج قواته من مالي منذ أن تغير الحكم فيها. وهذا ما لمّحت إليه وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي التي قالت إن القوات الفرنسية لا تنوي البقاء في مالي بأي ثمن. فظروف التدخل الفرنسي العسكرية والسياسية والاقتصادية أصبحت صعبة جداً منذ تغيير الحكم في مالي. فرغم أن الحرب ضد الإرهاب لم تنتهِ، فرنسا ستسحب قواتها بسبب الحكم الجديد في هذا البلد الذي دعا مجموعة فاغنير التابعة لروسيا أن تنتشر في الساحل ما أثار غضب فرنسا.
إضافة إلى القضايا الساخنة التي تشغل ماكرون فهو يتابع عن قرب ما يجري في لبنان ويتابع العمل الحكومي عبر مستشاره باتريك دوريل الذي يجري اتصالات دائمة برئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمعرفة ما يجري بالنسبة للعمل الحكومي والإصلاحات المنتظرة دولياً. كما أنه على اتصال بمسوؤلي السعودية للمضي قدماً بتكوين الصندوق السعودي – الفرنسي للمساعدات للبنان الذي تم الاتفاق عليه.
فالرئيس المرشح يظهر لشعبه ديناميكية في تحركاته على كافة الملفات الخارجية المهمة لفرنسا ولكن الأهم للشعب الفرنسي هو أداؤه على الصعيد الاقتصادي. لقد أحرزت فرنسا على رقم جيد للنمو وهو 7 في المئة للسنة الماضية. ولكن غلاء المعيشة مع تراجع القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والفقيرة أمر مقلق، وهو موضوع يلعب دوراً أساسياً بالنسبة الى خيار الناخب الفرنسي. فرغم أن دبلوماسية ماكرون ديناميكية وسريعة التحرك، فإن الوضع الداخلي هو الذي يقرر ما إذا كان ماكرون سيفوز في الانتخابات الرئاسية. أن تفوقه على المرشحين الآخرين واضح، ولو أن المرشحة فاليري بيكريس هي الوحيدة التي بإمكانها أن تكون منافسة جدية وبإمكانها الفوز لأنها معروفة لكونها دؤوبة على العمل ومثابرة وجدية ولها خبرة سياسية كونها تولت وزارات عدة ولكن صعوبة منافسة ماكرون بالغة لأنه لامع وخبرته أوسع ولكن المفاجآت في الانتخابات الديموقراطية موجودة دائماً وانتخابات الرئاسة الفرنسية السابقة أثبتت ذلك. فالرهان حالياً هو أن ماكرون هو الفائز المحتمل ولكن عدم اليقين هو الوضع الحالي بالنسبة لموعد 10 نيسان (أبريل).