بقلم: د. عبدالحق عزوزي – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- بالنسبة لفرنسا، أضحى الوضع في مالي “لا يطاق” بعد الانقلاب الذي وقع في مايو 2021؛ فقنوات التواصل الرسمية بين البلدين لم تعد كالماضي إلى درجة أن الدولة الفرنسية تصرّح أسبوعياً بأن المواجهة القائمة في مالي مع مجلس عسكري “خارج عن السيطرة” لا يمكن أن تستمر. وبدأت فرنسا بالفعل منذ أشهُر إعادة ترتيب قواتها العسكرية في مالي؛ إذ غادرت قواعدها الثلاث في شمال البلد، وخفضت قواتها التي كان يبلغ عددها خمسة آلاف عسكري في الساحل الصيف الماضي، بهدف معلن هو الاحتفاظ بما بين 2500 وثلاثة آلاف عنصر بحلول سنة 2023.
وفيما تحاول فرنسا إشراك العديد من الدول الغربية ضمن قوة تاكوبا الخاصة التي شكلت بمبادرة منها لتقاسم أعباء مكافحة الإرهابيين في مالي وإعادة تركيز الجهود على مساندة الجنود الماليين في القتال، طالبت المجموعة العسكرية في مالي هذه الأيام بانسحاب الوحدة الدانماركية المشاركة فيها وهو ما أحدث زوبعة من ردود الفعل من الخارجية الفرنسية أكثر من الخارجية الدانماركية نفسها التي اكتفت بالإعلان أنها ستسحب كتيبتها المكونة من 100 جندي التي وصلت مؤخراً إلى مالي.
ولكن رغم كل هذا الكلام فإن المجتمع الدولي لا يمارس ما يلزم من الضغوط والإجراءات والتدابير والعقوبات على المجلس العسكري في مالي لإعادة السلطة إلى المدنيين.
ويمكن تفسير ذلك بالشراكة التي تجمع الطرفين في مواجهة الإرهابيين بالمنطقة، باعتبار أن البلدة ينظر إليها كمعادلة أساسية لا يمكن تجاوزها في التصدي للإرهاب بالساحل الأفريقي. ويمكن تفسير ذلك بأن أميركا لا تهتم كثيراً بالمنطقة، وبأن فرنسا لم تتبنَّ سياسةً دوليةً أو أوروبية منذ البداية ليكون وجودها هناك في إطار دعم دولي كبير. ويجب ألا ننسى أن العامل المحدِّد لكل ردات الفعل الدولية في المنطقة يكمن في “التخوف”، وهذا التخوف في تزايد مستمر، سيما وأن الإرهابيين موجودون بكثرة ويترصدون كل مواطن الضعف في تلك البلدان ليأتوا على الأخضر واليابس فيها.
وتعاني فرنسا اليوم فشل استراتيجيتها في مالي وفي منطقة الساحل عامةً، فالتغييرات السياسية الداخلية في تلك المنطقة، خاصة الانقلاب العسكري في مالي، والذي تلاه انقلاب عسكري آخر في بوركينا فاسو، كانت مفاجئة وغير متوقعة بالنسبة لفرنسا لكي تبني عليها منذ البداية استراتيجيات بعيدة المدى.
زد على ذلك أن دول مجموعة الساحل الخمس (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا) لا يمكنها أن تشكل وحدة استراتيجية يمكن الاعتماد عليها بعد الانقلابَين العسكريَّين الأخيرين، كما أن فرنسا بدأت تشعر بخطورة الرياح المناهضة لها في المنطقة بعد عشر سنوات من وجود قواتها العسكرية في مالي وسقوط أزيد من أربعين قتيلاً في صفوفها.. فلا تزال هناك أعمال عنف مسلح في شمال مالي، وقد وصل العنف إلى وسط البلاد، وكذلك إلى النيجر وبوركينا فاسو، وأضحت هذه البلدان فريسةً للتنظيمات الإرهابية التي بدأت تنظر إليها كمنطقة صالحة للاستيطان واستقطاب البشر.