By: Tatiana Stanovaya
الشرق اليوم – في مواجهة الاحتمال الخطير بوقوع حرب بين روسيا وأوكرانيا، انقسمت وسائل الإعلام الغربية حول مسألة ما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كييف، إذ يجادل البعض بأنه لا يمكن لأحد أن يفهم منطق الرئيس الروسي ويصرون على التركيز على مصالح روسيا وتكلفة وفوائد سياستها الخارجية، فيما يواصل آخرون التكهن بشأن نوايا بوتين الحقيقية وأولوياته فيما يتعلق بأوكرانيا والغرب.
وعلى الرغم من أن منطق الكرملين قد بات معقدًا ولا يمكن التنبؤ به، فهناك ثلاثة عوامل على الأقل مفقودة حاليًا من الخطاب الغربي.
والعامل الأول هو أنه بغض النظر عن مطالب روسيا بوجود ضمانات ملزمة قانونًا من الغرب بشأن بعض القضايا مثل إنهاء توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فليس هناك ما يضمن إيقاف روسيا، وبغض النظر عما يسمى «الضمانات الصارمة» التي يمكن للغرب أن يقدمها، فلن يكون ذلك كافيًا لنظام بوتين.
فقد بدأت روسيا في تجاوز الخطوط الحمراء للآخرين من خلال الهجمات الإلكترونية والسياسات العدوانية والغارات الجيوسياسية والتدخلات العسكرية، وذلك بغض النظر عن التحذيرات بشأن الضرر الناتج عن ذلك، وقد أصبحت السياسة الخارجية الروسية، اليوم، لا تتعلق بالغرب فحسب، بل تتعلق أيضًا بمصالحه الجيوسياسية الخاصة، التي غالبًا ما تكون ليست لها علاقة مباشرة بالغرب على الإطلاق، ولا توجد ضمانات أمنية يمكنها تغيير ذلك، وبعبارة أخرى، فإنه حتى في حالة وجود صفقة افتراضية، فإن روسيا لن تستطيع ولن تضمن للغرب أنها ستمتنع عن استراتيجيتها الخاصة بالهجوم.
ولذلك فقد انتقلت روسيا من السياسة الخارجية الدفاعية إلى السياسة الخارجية الهجومية، وهو النهج الجديد الذي أثبت فعاليته، وسيُستخدم على نطاق أوسع.
أما العامل الثاني الذي يتم التغاضي عنه حاليًا هو أنه في حالة حدوث عملية عسكرية ضد أوكرانيا وتصاعُد المواجهة مع الغرب، فإن النظام الروسي سيصبح أكثر تماسكًا، بينما سيتم قمع المجتمع بشكل أكبر من أي وقت مضى، إذ لن تؤدي الحرب إلى إثارة الاحتجاجات أو خلق المزيد من المعارضة أو إضعاف النظام، وذلك على المدى المتوسط على الأقل.
وهناك مجموعتان رئيسيتان داخل النخبة الروسية، الأولى تتألف من صانعي القرار المحافظين، بما فى ذلك هؤلاء المستعدون لتحمل أي تكاليف للمواجهة الجديدة وذلك لأنهم قد يستفيدون منها، وهؤلاء هم الذين يهيمنون على أجندة البلاد، ويؤجِّجون مخاوف بوتين ويثيرون توتره ويُصعِّدون من الأزمة، فيما تتألف المجموعة الثانية من التكنوقراط الذين يسيطرون على الحكومة ولكن ليست لديهم صلاحية التدخل في الشؤون الأمنية أو إثارة المخاوف بشأن الجغرافيا السياسية، وهم المُكلَّفون بتكييف الاقتصاد والنظام المالي مع أي صدمات جيوسياسية.
وهناك أيضًا نخبة رجال الأعمال (باستثناء أصدقاء بوتين المُقرَّبين، الذين غالبًا ما يكونون أكثر تشددًا من الناحية الأيديولوجية من المجموعة الأولى)، الذين تم طردهم من عملية صنع القرار السياسي منذ سنوات عديدة، وهم الآن محرومون من الحق في التحدث مع السلطات حول الجغرافيا السياسية، وفي حالة التصعيد فإن هؤلاء يفضلون الاختفاء التام والصمت لتجنب أي اشتباكات مع السلطات يمكن أن تثير الشكوك حول ولائهم ووطنيتهم.
أما بالنسبة للمجتمع، فإن الروس يركزون في الغالب على المشاكل الاجتماعية، كما أنه يبدو أنهم قد باتوا مُرْهَقين من الجغرافيا السياسية، ولن يحتجوا في حال اندلعت الحرب، إذ إنه في استطلاع حديث للرأي ألقى 50% من الروس باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في التصعيد على الحدود الروسية الأوكرانية، في حين قال 4% فقط إن المسؤولية تقع على عاتق بلدهم، ويعاني المجتمع الروسي الجمود السياسي، وإمكانية الاحتجاج لا تزال منخفضة نسبيًا، حيث تم القضاء بشكل كامل على أي معارضة كان من الممكن أن تقود أي احتجاجات محتملة.
وبالنسبة للعامل الثالث والأخير فهو أنه بدون إجراء إعادة تشكيل جذري لهيكل الأمن العالمي (وهو أمر ليس في الأفق)، فإن روسيا سترى أوكرانيا باعتبارها أرضًا يجب إعادتها إلى الإشراف الجيوسياسي لموسكو بأى ثمن، وفي الوقت الحالي، فإن الكرملين يهدف إلى منع كييف من الانضمام إلى حلف الناتو، ولكن هذا الطلب لا يعالج المشكلة الأساسية المتمثلة في نوايا روسيا تجاه أوكرانيا.
ولا يعني أي من هذه العوامل الـ3 أن الحوار سيكون محكومًا عليه بالفشل في منع روسيا من تنفيذ استراتيجيتها الهجومية، ولكنه سيساعد على كسب الوقت وإبطاء نوايا بوتين الهجومية، ومنح المجتمع الروسي مزيدًا من الوقت للاستيقاظ.
ترجمة: المصري اليوم