بقلم: د. عبدالله جمعة الحاج – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – مع إطلالة العام الجديد 2022، يبدو لي بأن المشهد الخليجي يشع إشراقاً وحيوية، فمع نهاية العام المنصرم 2021، كان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، قد وصل إلى ذروة تحقيق العديد من الأهداف الخيرة التي تصب في المصالح العُليا لدوله مجتمعة، والتي تتناسب مع مرور 42 عاماً من قيامه كمنظمة إقليمية تهدف إلى خدمة دول وشعوب الخليج العربي من الناحيتين الاقتصادية والأمنية.
ومن مخرجات القمة الخليجية التي عقدت في المملكة العربية السعودية مؤخراً يبدو بأن المجلس يسير وفقاً لخطوط وضعت بشكل واسع لتحقيق أهداف جديدة تم التنسيق لها لكي تضع في اعتبارها التغيرات الحاصلة في المنطقة وعلى الصعيد العالمي، خاصة الملف النووي الإيراني وتوجهات الولايات المتحدة الأميركية في سياستها الخارجية، وبوادر هذا التنسيق الجديد تفصح عن أن دول المجلس تقوم بوضع خطة عمل وخارطة طريق محكمة كتحول استراتيجي باتجاه تقوية الأسس السياسية والأمنية والاقتصادية لمنظمتهم الإقليمية.
وإذا ما كان لي أن استشف حقيقة ما يحدث، فإن الخطة الجديدة أو خريطة الطريق الجديدة ذات عناصر تخص الاستراتيجية الجديدة، لكي تشمل توسعة قاعدة التعاون والتنسيق السياسي والأمني والاستراتيجي والاقتصادي بين الدول الست لزيادة دورها الجماعي الفعّال على الصعيدين الخليجي والعربي أولاً، ثم بعد ذلك على صعيد المنطقة العربية وجوارها الجغرافي بشكل عام بما في ذلك علاقاتها بإيران وتركيا وإسرائيل ودول جنوب آسيا، خاصة باكستان والهند.
والعنصر الثاني من الخطة، هو استمرارية البناء بسهولة التكيف والمرونة الوطنية التي تقود إلى القدرة على مواجهة الحالات الحاصلة في التغيرات الإقليمية والعالمية، واستعادة الحيوية في هذا الشأن المرة تلو الأخرى.
أما العنصر الثالث، فهو تحفيز أنماط التنمية الشاملة المستدامة القائمة في كل دولة من دول المجلس مع العمل بوسائل مستحدثة لتشجيع الروابط الاقتصادية بالذات بين دول المجلس كل على حدة من جانب وبشكل جماعي من جانب آخر.
الهدف الاستراتيجي لدول المجلس، هو البناء على سير المنطقة الخليجية الرائع والسريع من زاوية النمو الاقتصادي والتحولات المدهشة اقتصادياً واجتماعياً في إطار الاستعداد لمرحلة ما بعد الثروة النفطية. وقد تحقق الشيء الكثير من ذلك، خاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي أصبحت نموذجاً يعتد به على هذا الصعيد، ليس في منطقة الخليج العربي فقط، ولكن لجميع الدول المنتجة للنفط حول العالم التي اعتمدت لأمد طويل على ريعه كمصدر وحيد أو أساسي للدخل الوطني، لكن مثل هذا الاستعداد يمكن أن يصبح أقل كلفة وأمداً لو تم بشكل جماعي بين الدول الست.
وعلى أية حال يبدو بأنه يلوح في أفق العام الجديد الكثير من الاحتمالات والإمكانية لتحقيق العديد من جوانب هذه الأجندة الخليجية الجديدة.
ويعود السبب في هذا التفاؤل بالمستقبل القريب العاجل إلى أن موجة المد العالية لمركز دول المجلس المرموق في عالم اليوم، لا زالت في صعود ما جعلها مفضلة لدى جميع الجهات المالية وأصحاب الأعمال الكبرى العالمية للقدوم إليها والاستثمار فيها، والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة ومتعددة، ولا يمكن حصرها في المقام.
والواقع أن النظرة الواقعية إلى أي مسألة سياسية تفيدنا بأن كل أمر له جوانبه المشرقة وتلك غير المشرقة، وله إرهاصاته وتقلباته وصعوده وهبوطه.
وقياساً على ذلك، فإن الأهداف المفصلية للمجلس في العام الجديد، قد تم وضعها نتيجة لسلسلة من الاجتماعات واللقاءات التي بدأت باكراً، لكن الهدف الرئيسي العام هو تحويل الاستراتيجية الخاصة بالمنطقة على ضوء ما يحدث من تغيرات فيها ومن حولها وعلى الصعيد العالمي.
وتبدو منطقة الخليج العربي هادئة الآن وتنعم بقدر من الأمن والطمأنينة على ضوء انحسار تنافس القوى العظمى حولها بعد أن اختفى الاتحاد السوفييتي من الوجود، لكن ذلك لا ينفي أن بيئتها الاستراتيجية أصبحت أكثر عرضة للأوضاع المحلية والإقليمية والاستقطابات المرتبطة بذلك.
ما هو قائم حالياً هو المزيد من التنافس الاقتصادي العالمي الحاد. ويعود السبب في ذلك إلى بروز قوى دولية جديدة ترغب في منافسة دول الغرب – الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي – في سبيل الحصول على حصة أكبر من مقدرات المنطقة.
وربما يعود السبب في ذلك إلى تراجع دور الولايات المتحدة الملحوظ فيها، وهذا الوضع يعزز من طرحنا الخاص بأن دول المجلس عليها أن تتبنى المزيد من التعاون فيما بينها كضرورة، فالعديد من جوانب الفراغ السياسي تطرأ، وعلى دول المجلس ذاتها أن تقوم بملء مثل هذا الفراغ قبل أن يتجرأ غيرها على اتخاذ مثل تلك الخطوة، والتعاون الاقتصادي البناء هو مفتاح تلك الخطوة.