بقلم: جمعة بوكليب – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – من أي طريق يا تُرى سيأتي الوفاق الليبي، ومتى؟ الإيجابي في الأمر، حتى الآن، أنَّ الحرب توقفت منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2020، لكن أسبابها، واقعياً وفعلياً، ما زالت قائمة. وتحت الرماد ما زال جمرُ التنافس والعداوة متقداً. والمشهد برمّته يزداد، يوماً بعد يوم، ضبابية.
وكثرت وتفرعت الطرق على مستويات التفاوض والمناورات السياسية، لكنها في حقيقة الأمر، تشابهت، رغم ما يبدو على السطح من اختلافات بينها، كونها جميعاً، كما أثبتت حقائق الواقع اليومي المعيش وتفاعلاته المعقدة، تقود، في النهاية، إلى نفس الانسداد المُحكَم.
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الموعودة، التي كان الرجاء معلقاً بها، على أمل أن تُحدث ثغرة في جدار الأزمة وُئدت مؤخراً مرتين بفعل فاعلين معروفين، سواء لليبيين أو لغيرهم في العالم الخارجي.
الأطراف المحلية المتصارعة ما زالت متخندقة ومتربصة في مواقعها. ترفض وبشدة ما يُقترح لحل الأزمة من مقترحات بحلول قد تَحول بينها وبين مصالحها ومكاسبها على الأرض. وما زالت، في وضوح النهار، تحيكُ بهمّة ونشاط، الخيوط لوأد مكونات أي مقترح بمشروع حل قد يُفضي إلى دفعها خارج المسرح. ومَن تجرأ من أفرادها، في المدة الماضية، على خرق التابو، ومحاولة بناء جسر لتجاوز الخلافات، يصل الغرب بالشرق، لم تجد تشجيعاً إلا من أقلية نخبوية تعدّ في حكم الواقع والنفوذ ضئيلة. وبدا كأنه لا مستقبل لتلك الخطوة الجريئة سياسياً على المساهمة في إحداث الاختراق المأمول.
قادة الإبقاء على الحالة الراهنة ما زالوا، حتى كتابة هذه السطور، في مقدمة الصفوف ويتحكمون في توجيه دفة الأحداث في اتجاه الريح التي تناسب مصالحهم وطموحاتهم، ويسعون إلى الحفاظ على حالة لا سلام ولا حرب بضرب كل ما يطفو على سطح الواقع من فرص، وبسرعة. وعلى مستوى الأطراف الأجنبية المتورطة في الصراع، فإن الحال لا يختلف كثيراً، وواقعياً لا يبدو أنه يبشّر بخير قريب. وما زال، للأسف، كل فريق متحصناً داخل حدود دوائر مواقعه على ما كان عليه. ويحرص على ألاّ يكون الأول في كسر الجمود، وتقديم تنازلات من شأنها أن تشجع الآخرين على الاقتداء، والعمل على الوصول إلى وفاق، خشية أن يؤدي ذلك إلى خسارة ما كسب من نفوذ خلال السنوات الماضية. وفي خضمّ ذلك كله، ضاعت جهود ومحاولات السيدة ستيفاني ويليامز، المستشارة الخاصة للأمين العام للأم المتحدة، في دهاليز وأنفاق ما يدبَّر ويحاك ضدها وراء أبواب مغلقة، وإن كان بنيات وأهداف مكشوفة.
الموقف الأممي الذي تقوده السيدة ويليامز مدعوماً بالموقف الأميركي ممثلاً بالسفير ريتشارد نورلاند، يدعو إلى تجنّب التورط في حبائل تشكيل حكومة جديدة تقوم مقام حكومة الوحدة الوطنية الحالية برئاسة السيد عبد الحميد الدبيبة، والتركيز على تحقيق الإنجاز الانتخابي. هذا الموقف يسير في خط عكسي لموقف فريق الحفاظ على الحالة الراهنة، حيث السعي لإزاحة السيد الدبيبة وحكومته من الطريق والقفز مكانهم. في هذا المحور تلتقي أجندة أطراف من الشرق والغرب. الهدف غير المعلن، في رأيي، هو الاستحواذ على العاصمة ومصرف ليبيا المركزي. وما يعرضونه علناً للبيع يقوم على زعم تشكيل حكومة جديدة تحقق الإنجاز الانتخابي خلال عام. وفي هذا السياق، بدأت، في الأيام الماضية الاستعدادات لمعركة سياسية مختلفة، لكنها تقود إلى تحقيق خطة هذا الفريق. الخطة تقوم بتنفيذ بنودها رئاسة البرلمان، وهدفها السعي لتفخيخ العملية السياسية، عبر تقديم مقترح بمشروع يهدف بوضوح إلى إقصاء هيئة صياغة الدستور المنتخبة، بتهميشها، والاستيلاء على صلاحياتها، في تجاوز قانوني خطير، فاق ما سبقه من تجاوزات. وليس غريباً أن يحدث كل ذلك وسط أجواء متوترة عسكرياً في العاصمة طرابلس، حيث الاستعدادات والتحشيدات تجري على قدم وساق، بين قوات مختلف الجماعات المسلحة، مما أدى إلى خلق أجواء عسكرية، في مناخ قائم على توازن مسلح مرعب.
المؤسف أن كل ما يحدث، سياسياً وعسكرياً، منذ سقوط النظام السابق في أكتوبر 2011 الهدف منه، في خطة كل طرف (محلي وأجنبي)، ليس محاولة بناء دولة تقوم على أسس تضمن عودة السلام إلى ليبيا محروساً بمؤسسات مدنية دستورية ومضموناً بتوافق واتفاق، بل الاستحواذ على كل الغنيمة وإقصاء المنافسين نهائياً. ولتلك الغاية تصير كل الوسائل ممكنة ومشروعة. ولذات السبب نرى تلك التغيرات التي تتوالى في تشكيلات الاصطفافات السياسية والعسكرية. والمحصلة أن الطرق تعددت وتفرعت، لكن ليس من بينها واحدة تضمن الخروج بالبلاد والعباد من أوحال الأزمة.