الرئيسية / مقالات رأي / الحروب الخفية ونتائجها المرئية

الحروب الخفية ونتائجها المرئية

د. نبيل صبحي فرج – المصري اليوم


الشرق اليوم – تطورت المواجهات العسكرية على مر الزمان من اشتباكات ارتجالية عشوائية بين المتحاربين إلى حروب منظمة ذات استراتيجيات مدروسة تعتمد على قوة الآلة العسكرية وبنيان المقاتل الفرد وعقيدته.
وعلى مدى الزمان تطورت علوم الحرب لتشمل الحروب البيولوجية warfare Biological والحروب الميكروبية Microbial warfare والإرهاب الحيوي Biological terrorism، وهي ثلاثة مرادفات لمعنى واحد، هو إرباك العدو خلسة وإضعافه وتدميره لتحقيق النصر.
وبالرغم من صعوبة تحديد بدايات الحروب البيولوجية كمناوشات ارتجالية، فيُعتقد أنها بدأت في غضون عام 1500 BC قبل ميلاد السيد المسيح، حيث تم دفع مرضى بداء حمى الأرانب Rabbit`s fever، المعروف طبيًا بمرض Tularemia، إلى أرض الأعداء حتى ينتشر الوباء.. وما قام به الآشوريون Assyrians من تلويث مصادر المياه.. وضاربو الرماح الملوثة بميكروب التسمم البوتشليني Botulism، حيث استُعملت هذه الطريقة في مناطق كثيرة في إفريقيا في القرن السادس عشر الميلادي.. وكذلك استعمال فطر الإرجوت السام، الذي يصيب محاصيل الحبوب، في تلويث مياه الشرب مُسبِّبًا مرض Ergotism.
وقد بدأت المحاولات المنظمة لاستعمال الميكروبات في الحروب البيولوجية بواسطة الجيش الإنجليزي عام 1763م أثناء الحصار الذي تم على سكان أمريكا الأصليين Native Americans بنشر وباء الجدري الفيروسي Smallpox، حيث مات في ولاية أوهايو مائة شخص في عام 1764م رغم أن هذا الوباء من المعلوم حدوثه طبيعيًا في تلك البلاد كل اثنى عشر عامًا.. وهو ما يشير إلى احتمال تدخل حركة الأجرام السماوية في ضبط مواقيت حدوثه!!!
وقد تطورت أساسيات هذه النوعية من الحروب مع بدايات عام 1900م، ووصلت إلى مستويات تطبيقية مؤثرة خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م)، ما أفرز عن اتفاق دولي بجنيف عام 1925م يُجرِّم استعمال الأسلحة البيولوجية وإفرازاتها من السموم المستعملة في أسلحة الحرب الكيميائية.
ورغم ذلك وعند اشتعال الحرب العالمية الثانية، تورطت المملكة المتحدة في برامج لتطوير الحروب البيولوجية، حيث تمكنت من استعمال توكسينات (سموم) التسمم البوتشليني وبكتيريا الجمرة الخبيثة والبروسيلا وحمى الأرانب Tularemia كأسلحة بيولوجية. وقد استمرت هذه التجارب لمدة 56 عامًا، ما أدى إلى تلوث إحدى جزر اسكوتلاندا بميكروب الجمرة الخبيثة Anthrax. وقد تحفظت إنجلترا بناء على ذلك على تلك الإنجازات، مما دفع فرنسا واليابان إلى تطوير تلك البحوث تمهيدًا للإنتاج الواسع Industrial production.
ونجاح الحروب البيولوجية يعتمد على دقة اختيار الكائن الميكروبي من حيث قدرته على البقاء في الظروف الصعبة من دائرة الانتشار Durability، وشدته الإمراضية Effect، وصعوبة عزله أو الكشف عنه Detect، وصعوبة مقاومته Management، وذلك لتعطيل محاولات رد الفعل من العدو أو الهدف المقصود.
وهي من الأسرار التكتيكية التي لا يمكن البوح بها!!!. ويُطلق على تلك الحروب «حروب النفَس الطويل أو الحروب طويلة الأمد Long term war»، ومن العشائر الميكروبية، التي استُعملت في تلك الحروب على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والإنسان، كانت البكتريا من أجناس Vibrio، Yersinia Clostridium، Salmonella، Coxiella، Rickettsia هى الأغلب الأعم. ومن أجناس الفطر الإجباري التطفل المُسبِّب لصدأ القمح Puccinia وفطر الإرجوت Claviceps وفطر Pyricularia على الأرز.
وقد استُعملت فطريات من أجناس Penicillium، Aspergillus، Fusarium المفرزة للتوكسينات (سموم) لإشعال Bioterrorism لقدرتها الكبيرة على إفراز السموم تلقائيًا، كما يمكن استعمال سمومها المُنقّاة مباشرة لنفس الغرض، حيث تنتج هذه الفطريات حوالى 30% من التوكسينات المعروفة.. وقد اتضح أن جرامًا واحدًا من توكسين فعال نقي من الفطريات قد يتسبب في قتل عشرة ملايين فرد، وأن توكسين البوتيولين الذى يفرز بواسطة البكتريا Clostridium botulinum يفوق في تأثيره غاز Sarin ثلاثة ملايين مرة.
جدير بالذكر أن طريقة توصيل الميكروب حاليًا إلى الهدف تختلف باختلاف الغرض من الهجوم، وتتراوح ما بين وسائل بسيطة مثل تلويث مياه الشرب والحشرات الناقلة للأمراض وتلويث المُخصِّبات الحيوية والمبيدات الحيوية المستوردة بحسن النية طبعًا!!!.. ووسائل معقدة وتكنولوجيات متطورة مثل الصواريخ والطائرات النفاثة والغواصات والقنابل البكتيرية Bacterial bombs.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وكندا وروسيا وفرنسا بتطوير هذه التكنولوجيا الحربية، مما أشاع نشاطًا استخباراتيًا واسعًا بين الدول. ونظرًا لفاعلية هذه النوعية من الحروب في نشرها العديد من الأوبئة الفتّاكة.. فإن الأمر يستدعي سرعة النظر في إنشاء هيئة قومية للأمان الحيوى Bio- security تابعة لرئيس الدولة تجاوزًا لعمليات الشهرة والشوشرة.. على أن يشمل اختصاصها متابعة بحوث الميكروبات المُهندَسة وراثيًا وضوابط نقل الأعضاء وتكنولوجيا أطفال الأنابيب والعلاج الجيني.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …