بقلم: نبيل سالم – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – قد تكون الأحداث العنيفة التي شهدتها كازاخستان مؤخراً، قد ألقت بظلالها قليلاً على المشهد المتوتر في أوكرانيا، والذي عاد إلى السطح من جديد، لمجرد إطفاء النار الكازاخية. فما أن انتهت المحادثات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وروسيا في جنيف بلا نتائج ملموسة، حتى عادت الماكينة الإعلامية الغربية، لبث التقارير والأخبار حول استعداد روسيا لغزو أوكرانيا.
وفيما أعلنت موسكو، فشل مباحثات جنيف، هددت واشنطن بعقوبات اقتصادية ورد فعل قوي إزاء احتمالية غزو أوكرانيا، على حد زعم الإدارة الأمريكية، التي زعمت أيضاً أن موسكو تخطط لتنفيذ عمليات تخريبية من خلال إرسال عناصر مسلحة إلى شرق أوكرانيا لاستهداف الموالين لها، واستخدام ذلك كذريعة لتبرير غزو محتمل لأوكرانيا إذا فشلت الدبلوماسية، وهو ما نفته موسكو بشدة.
وزعمت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي، أن الولايات المتحدة لديها معلومات بشأن هذه العمليات التخريبية، وأن الجانب الروسي «يستخدم معلومات مضللة عن ملف حقوق الإنسان في أوكرانيا» تجاه الموالين لموسكو «كذريعة لهذا الغزو إذا فشلت الحلول الدبلوماسية في تحقيق أهدافها.
هذه الاتهامات لروسيا تزامنت مع حملات إعلامية، حيث نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال»، عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن روسيا نقلت دبابات ومركبات عسكرية قتالية وقاذفات صواريخ وغيرها من المعدات العسكرية، من قواعدها في أقصى الشرق إلى المناطق الغربية، وهو ما نفته وزارة الدفاع الروسية مؤكدة أن قوات المنطقة العسكرية الشرقية بدأت «فحصاً مفاجئاً للاستعداد القتالي، كجزء من التدريبات المجدولة بانتظام».
والحقيقة أن من يتتبع تفاصيل المشهد الأوكراني، لا يجد صعوبة في فهم ما يجري هناك، إذ لا يخفى على أحد ذلك الدعم العسكري المتواصل الذي تقدمه واشنطن لأوكرانيا، سواء كان سياسياً أو عسكرياً، مستغلةً في ذلك موقعها عند الحدود مع روسيا، من أجل زعزعة استقرار المنطقة، وهو أمر لا يمكن لأي دولة في العالم أن تتقبله بصمت، ناهيك عن مساعي أوكرانيا الحثيثة للانضمام إلى حلف «الناتو»، الأمر الذي تعارضه روسيا، وترغب في الحصول على ضمانات قانونية من شأنها استبعاد مثل هذا الاحتمال مستقبلاً.
وانطلاقاً من حرصها على حماية مصالحها القومية والأمنية، كان لا بد لروسيا وهي دولة كبرى لا يستهان بها، أن تطالب بضمانات قانونية، لاستبعاد انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، داعية إلى إجراء مفاوضات «فورية» مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بشأن الضمانات التي طلبتها، والتي تقضي برفض الناتو ضم الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى الحلف، وتقليص النشاط العسكري الأمريكي في أوروبا، وعدم نشر أنظمة هجومية أمريكية في أوروبا.
ولكن كيف كان الرد الغربي على المخاوف والمطالب الروسية المشروعة؟
يبدو أن الردود الأمريكية المكتوبة على المطالب الروسية كانت سلبية، ومع ذلك أعرب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عن أمله في «تحقيق تقدم في محادثات بلاده مع روسيا، وأن تحقيق تقدم إيجابي ليس مستحيلاً»، فيما أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، بعد الاجتماع بالوفد الأمريكي في جنيف، بأنَّ «المباحثات بين روسيا والولايات المتحدة، بشأن الاستقرار الاستراتيجي، كانت صعبةً»، مستبعِداً «تحقيق تقدم في مسألة عدم توسُّع حلف شمال الأطلسي، لا سيما بعد تأكيد نائبة وزير الخارجية الأمريكية، ويندي شيرمان، أنَّ واشنطن «لن تسمح لأحدٍ بأن يغلق باب الانضمام إلى حلف الناتو في وجه أيِّ دولةٍ».
وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع ما كشفته صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية بأن الولايات المتحدة تعتزم تقديم حزمة مساعدات عسكرية سرية إلى أوكرانيا، وأن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) تشرف على برنامج تدريب أمريكي سري، لنخبة القوات الخاصة الأوكرانية، وأفراد استخبارات آخرين.
والواقع أنه في ظل هذا التباين الكبير في مواقف كل من موسكو والغرب، يبدو أن المشهد في أوكرانيا بات خطِراً، وقد يعيد ملامح الحرب الباردة من جديد على الأقل، إن لم يدفع إلى صدام عسكري محتمل، لأن أوكرانيا الآن تشبه الفتيل المشتعل القابل لتفجير المنطقة، ما لم يرعوي الغرب عن سياساته العدائية المكشوفة لروسيا.