الرئيسية / مقالات رأي / أزمة أوكرانيا .. شواغل روسية وإنذار أمريكي

أزمة أوكرانيا .. شواغل روسية وإنذار أمريكي

بقلم: أحمد جمعة – اليوم السابع

الشرق اليوم – أتابع بشكل دقيق التصعيد الراهن بين روسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بسبب التطورات الأخيرة التي تشهدها أوكرانيا، والتي تنذر بمواجهة غير مباشرة بين الأطراف المتنازعة، عبر وكلاء في هذه المنطقة، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على أمن واستقرار المنطقة، وسيكون له تداعيات على دول منطقة الشرق الأوسط التي ليست بعيدة عن الصراع هناك، بحكم وجود تحالفات بينها وبين بين الدول المتصارعة بسبب أوكرانيا.
تتخوف روسيا من انضمام أوكرانيا التي ترتبط معها بحدود مباشرة إلى حلف الناتو، وهو ما تراه موسكو تنصلا غربيا وتحديدا من الولايات المتحدة وحلف الناتو بعدم التوسع شرقا، ما يشكل تهديدا للجانب الروسي، وذلك بإمكانية نشر أسلحة هجومية لدول حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا تهدد موسكو وهذه هي الرواية الرسمية التي تروجها موسكو وتتخوف من انضمام كييف للاتحاد الأوروبي.
يجب الإشارة هنا إلى أن أوكرانيا تشترك في الحدود مع دول في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى روسيا وهي جمهورية سوفيتية سابقة، لذا يتمتع مواطنوها بعلاقات اجتماعية وثقافية عميقة مع الجانب الروسي وينتشر فيها التحدث باللغة الروسية على نطاق واسع، وعندما عزل الأوكرانيون رئيسهم الموالي لروسيا في عام 2014، تحركت موسكو سريعا وأقدمت على ضم شبه جزيرة القرم الجنوبية وضمتها لها، فيما استولى الانفصاليون على مساحات شاسعة من الأراضي الشرقية لأوكرانيا، ويخوض الجيش الأوكراني حرب لا نهاية لها مع المتمردين ما أودى بحياة الآلاف من الجانبين.
يرفض الاتحاد الأوروبي والجانب الأمريكي تقديم تعهد مكتوب للجانب الروسي بعدم التوسع شرقا والتراجع عن فكرة ضم أوكرانيا أو جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي وبالتالي الانخراط إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما تعتبره روسيا تراجع الغرب عن تعهداته الشفهية لها خلال القرن الماضي بعدم التمدد شرقا، وبالتالي تحركت روسيا وحشدت ما يقرب من 120 ألف مقاتل على الحدود الشرقية لأوكرانيا، والانتشار بشكل كبير في قواعد عسكرية لها في بيلاروسيا من شمال أوكرانيا، فضلا عن دفعها بوحدات من المدفعية والدبابات من الجنوب وتحديدا في القرم وهي بذلك تمكنت من تطويق أوكرانيا من ثلاث جهات.
في المقابل هدد الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين من أي محاولة لدخول أوكرانيا عسكريا وتلويحه بالتصعيد ضد موسكو سواء بفرض عقوبات اقتصادية قاسية أو الدخول في مواجهة غير مباشرة، الواقع يقول أن دول حلف الناتو لن تدخل في اشتباك مباشر مع روسيا بسبب الظروف الاقتصادية التي تعيشها نتيجة تداعيات جائحة كورونا وستعمل فقط على تعزيز قدرات أوكرانيا الاقتصادية والعسكرية للتصدي لأي تقدم عسكريا روسي نحو كييف.
وأقدمت دول حلف الناتو على تقديم صواريخ متطورة ومنها أرض – جو قادرة على مواجهة وردع أي غزو بالطائرات وأرض – أرض لتدمير المدرعات أو الدبابات الروسية لأوكرانيا وبات جيش الأخيرة أفضل مما كان لكن يبقى ميزان القوى العسكرية في صالح روسيا.
وتستخدم كافة الأطراف المتصارعة أوراقها في كسب المزيد من الوقت والضغط على الطرف الآخر لانتزاع مكاسب حقيقية لكن يبقي الجانب الروسي متمسكا بمطالبه التي يبدو أنه لن يتراجع عنها لأنه بانضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تبقى خاصرة روسيا مستهدفة من الغرب دون أي ضمانات حقيقية لأمن واستقرار موسكو.
روسيا التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي عايش فترة ضعف الاتحاد السوفيتي وتفككه يحاول إحياء أمجاد الاتحاد السوفيتي الذي تحل الذكرى المئوية لتأسيسه في العام الجاري 2022، تدرك روسيا جيدا أنها لن تصبح قوة عظمى كبيرة قادرة على مواجهة الغرب بشكل حقيقي ورادع إلا بالسيطرة على أوكرانيا.
المشكلة الحقيقية في أزمة أوكرانيا أن البلاد تقع في منتصف المواجهة بين المعسكرين المتصارعين وقد ضحت كييف في اتفاقية بودابست الموقعة عام 1994 وتنازلت عن ترسانة نووية كانت تضعها كثالث أقوى دولة نووية في العالم لكنها وقعت على الاتفاقية – وقعت عليها مع روسيا وبريطانيا وأمريكا – وتنازلت عن النووي مقابل أن تقوم الدول العظمى بتقدم ضمانات لها لضمان وحدة أراضيها وسلامتها.
الأزمة الأوكرانية لن يتم حلها إلا بالحوار الجاد والواضح والاتفاق على مراعاة شواغل كافة الأطراف المتصارعة وضمان أمن وسيادة واستقلالية أوكرانيا وعدم تقديمها كبش فداء في هذا الصراع الذي سيؤدي لحالة عدم استقرار في المنطقة، الإشارات الواردة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بإيجابية المحادثات الرباعية مع روسيا وفرنسا وألمانيا وأنها خطوة نحو السلام تشير إلى إمكانية حل الأزمة بالحوار دون اللجوء لخيارات خشنة، لكن علينا الانتظار وعدم الإفراط في التفاؤل حتي تنتهي محادثات برلين التي من المقرر أن تستمر لأسبوعين.
التخوف الكبير هو أن تحاول الدول المتصارعة استخدام نفوذها في بعض الدول العربية التي تشهد حالة عدم استقرار سواء سوريا أو ليبيا للضغط على الطرف الآخر لتقديم تنازلات في المشاورات الجارية حول أوكرانيا، ونتمنى جميعا ألا تحدث مواجهات عسكرية في أوكرانيا التي تنشد السلام بعيدا عن صراع القوى والتحالفات العسكر الساعية لكسب مزيد من مناطق النفوذ لها.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …