بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم
الشرق اليوم – لعل نقطة البدء في أي تقييم موضوعي لأداء إدارة بايدن خلال العام الأول هي، في تقديري، الميزانية العسكرية. فلا يمكن تحليل السياسة الداخلية ولا الخارجية دون أخذها في الاعتبار.
فقد وافق الكونجرس على طلب الإدارة ميزانية عسكرية مقدارها 768 مليار دولار، وهو ما يعادل نصف الميزانية الأمريكية، وهو ما يعني تمويل باقي الأولويات الأمريكية، بكافة موضوعاتها، عبر النصف الآخر. ففي أمريكا نوعان من الإنفاق الفيدرالي، أولهما هو ذلك الذي يُطلق عليه «الأحقيات»، أي البرامج الاجتماعية التي ما إن يشترك فيها المواطن، يحق له التمتع بمزاياها مدى الحياة، كبرنامجي المعاشات، والرعاية الطبية لكبار السن. ولذلك لا تملك الدولة السيطرة على ارتفاع تكلفة هذا النوع من البرامج والذي يأكل الجزء الأكبر من الميزانية الفيدرالية. أما النوع الثاني، الذي تملك فيه الدولة حرية الحركة، فتلتهم أكثر من نصفه الميزانية العسكرية التي تزداد باطراد.
ومن هنا، فإن المفارقة التي تستحق الاهتمام هي أن أكثر الداعمين لارتفاع الميزانية العسكرية هم أنفسهم الذين يعارضون الإنفاق الداخلي الضخم الذي تحتاجه البلاد والذي تقدم به جوزيف بايدن للكونجرس. وذلك الإنفاق العسكري الذي طلبه بايدن بنفسه هو الذي يحد من قدرته على المناورة بشأن مشروعاته الداخلية حين يعارضه خصومه ويطالبون بالحد من تكلفتها.
والوقت الذي استنزفه ذلك الجدل أتى على ما تبقى من الوقت فصار سهلًا على خصوم الرئيس حرمانه من الإنجاز بخصوص مشروعي قانون حقوق التصويت اللذين يتوقف عليهما مستقبل حزبه أصلًا. فتقييد الجمهوريين في الولايات حق الأقليات في التصويت من شأنه أن يحرم الديمقراطيين، حزب الأقليات، من الفوز في الانتخابات التشريعية في نوفمبر، بل وفي أي انتخابات فيدرالية تالية، للكونجرس والرئاسة.
.. والميزانية العسكرية تعطي أيضًا صورة أكثر دقة للسياسة الخارجية في عهد بايدن. فهي لاتزال تمثل الاستمرارية لا التغير. صحيح أن الولايات المتحدة انسحبت من أفغانستان، إلا أنها فرضت عليها عقوبات قاسية في خضم كارثة إنسانية محققة. وهي تسعى للانسحاب من الشرق الأوسط دون أن يعني ذلك نهاية الطابع الإمبراطوري ولا عسكرة سياستها الخارجية. فأمريكا تبني لنفسها وجودًا عسكريًا قويًا في آسيا لتطويق الصين، ما دفع الصين لزيادة ميزانيتها العسكرية في سباق محموم بين القطبين. والسياسة الأمريكية في أوروبا ليست استثناء من ذلك.
فالموقف المتوتر على الحدود بين روسيا وأوكرانيا ترجع جذوره لنقض الولايات المتحدة تعهدها لجورباتشوف عشية انهيار الاتحاد السوفيتي، بالامتناع عن التمدد العسكري شرقًا عبر حلف الأطلنطي «ناتو». فقد تمددت العسكرة الغربية في شرق أوروبا حتى وصلت لحدود روسيا نفسها في رومانيا بل وفي أوكرانيا التي دعمتها أمريكا ضد روسيا، وأعلنت إدارة بايدن، قبل أيام، زيادة مساعداتها العسكرية.
ومن هنا، تقول روسيا إن وجودها العسكري المكثف على الحدود استدعته مقتضيات أمنها القومي وتطالب بضمانات أمنية بعدم تمدد «ناتو»، وهو ما يرفضه الحلف. وفي خضم الأزمة الراهنة طلبت روسيا، مؤخرًا، بيانًا مكتوبًا، من أمريكا، حول وضع «ناتو» وموقفه، وهو ما وافقت الولايات المتحدة على تقديمه «بعد التشاور المكثف مع الحلفاء».
أما وقد صارت الانتخابات التشريعية الأمريكية على الأبواب، بينما يصر الجمهوريون على إفشال كل مشروعات بايدن الداخلية، يبقى السؤال متعلقًا بما إذا كان سيكرس جهوده لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها قبل الانتخابات، أم سيكرس وقته لإحراز تقدم ملموس في السياسة الخارجية؟ وإن كنت أرجح أن يميل بايدن للخيار الأول.