بقلم: رفيق خوري – إندبندنت عربية
الشرق اليوم – السنة الأولى للرئيس جو بايدن في البيت الأبيض بدت كأنها الأخيرة. وفي هذا بعض الظلم للرجل الذي يمتلك خبرة داخلية وخارجية أكثر من أسلافه بعد الرئيس جورج بوش الأب: الرؤساء بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما، ودونالد ترامب. فهو قضى أكثر من أربعين عاماً في الخدمة العامة في الكونغرس عضواً في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ ثم رئيساً لها ثم نائباً للرئيس في ولايتي أوباما. وهو يعترف بأنه تعلم الكثير من السيناتور مايك مانسفيلد والسيناتور وليم فولبرايت. لكن الواقع قاسٍ، والتحديات الداخلية والخارجية أمامه هائلة. ومن المبالغات قول وزير الدفاع ومدير الاستخبارات المركزية سابقاً روبرت غيتس “من الصعب ألا تحب جو بايدن، لكنه أخطأ في مواقفه في معظم القضايا”.
والمشهد بالغ التعبير. الجمهوريون يرون ولايته مجرد فاصل بين ولايتين سابقة وآتية لترامب، ويستعدون لاستعادة الأكثرية في الكونغرس خلال الانتخابات النصفية في خريف العام الحالي. والديمقراطيون الذين اختاروه لم يسهلوا له تنفيذ مشاريعه. وهم ثلاثة تيارات: تيار ليبرالي يميل نحو اليسار، وتيار محافظ، وتيار وسطي يمثله بايدن. الليبراليون يرون أنه لم يفعل لهم الكثير من المشاريع التي يريدونها، والمحافظون يتصرفون على أساس أنه مال أكثر إلى الليبراليين ولذلك عرقلوا مشاريع مهمة له لإنفاق نحو ثلاثة تريليونات دولار على البنية التحتية والقضايا الاجتماعية، والوسطيون يحاولون إمساك العصا بصعوبة من منتصفها. شعبية بايدن انخفضت إلى 43 في المئة وهي نسبة متدنية للرئيس في سنته الأولى. وكل دعواته منذ خطاب القسم إلى التضامن والتعاون بين الحزبين لم يستجب لها الجمهوريون الذين لا يزال ترامب يقودهم. أما الانقسام الداخلي، فإنه عميق وحاد. والأخطر هو تنامي تيار يميني متشدد يمثله الذين هاجموا الكونغرس، بحيث رأى البروفيسور جوناثان كيرشنر أن أميركا دخلت “عصر اللا عقل” مع مجموعات واسعة تدعم نظريات المؤامرة المتهورة. وأما المفارقة، فإنها في تأثير التغيير الديموغرافي الذي “يحول أميركا من أمة أكثرية بيضاء إلى أمة متعددة الأعراق والإثنيات من دون أن يشكل أي منها أكثرية”، كما كتبت آن-ماري سلوتر في”الإيكونوميست”. فالمفترض أن يسهم التغيير الديموغرافي في تنامي شعبية الحزب الديمقراطي الذي هو أصلاً حزب الأقليات، لكن ما يحدث ليس كذلك.
ومن الطبيعي أن يقلل الانقسام الداخلي صدقية أميركا في الخارج. والتحديات الخارجية أمام بايدن أكبر من وصفه بأنه “سباق مع الصين ودول أخرى للفوز بالقرن الحادي والعشرين”. فما ركز عليه سيد البيت الأبيض هو “عودة القيادة والدبلوماسية، عودة إلى قيادة العالم وإلى الدبلوماسية كاستثمار نفعله ليس فقط لأنه الصواب بل أيضاً لأنه يصب في مصلحتنا”. وما اصطدم به هو المزاج الأميركي الرافض دفع المزيد من المال والدم في “مغامرات دونكيشوتية لاستعادة النظام الليبرالي وإعادة تشكيل العالم على صورة أميركا”، حسب ميرا-راب هوبر وريبيكا ليسنر من مجلس الأمن القومي. وأيضاً صعود الصين وعودة روسيا، وتحديات كوريا الشمالية النووية. تحديات إيران في برنامجها الصاروخي وسلوكها “المزعزع للاستقرار” في الشرق الأوسط، وتشكيل ميليشيات مسلحة مذهبية موالية لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إلى جانب برنامجها النووي. تنامي التيار اليميني المتطرف في أوروبا وعودة اليسار في أميركا اللاتينية إلى السلطة في دول عدة.
والرد الأميركي على هذه التحديات ليس سهلاً. ففي المرحلة الماضية كان رد الفعل الأميركي في الكونغرس هو القول للإدارة: أرسلوا المارينز أو افرضوا عقوبات. أما اليوم، فإن إرسال المارينز ليس على جدول الأعمال أمام بايدن. والدبلوماسية وحدها ليست ورقة قوية في ردع إيران وكوريا الشمالية. والعقوبات وحدها ليست سلاحاً فعالاً ضد مغامرات الرئيس فلاديمير بوتين في أوكرانيا بعد جورجيا، ولا كثير التأثير في طموحات الرئيس شي جين بينغ إلى “قرن صيني”.
بايدن مسؤول طبعاً عن الانسحاب الشائن من أفغانستان من دون ضمان النظام هناك ومع تسليم السلطة كاملة لحركة “طالبان”. وهو سيكون مسؤولاً عن الفوضى في الشرق الأوسط إذا انسحب من دون ترتيب نظام أمني إقليمي يبدأ بتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ولا ينتهي بردع جمهورية الملالي و”احتوائها”، ووضع حد لتغول إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا على العالم العربي.
لكن المشكلة في أميركا نفسها، لا فقط في سياسة بايدن وسواه. أميركا التي يرى ريتشارد هاس أنها “تريد فوائد النظام العالمي من دون أن تقوم بالعمل الصعب للبناء والصيانة”.