الشرق اليوم- يبدو أن المحادثات المكثفة بين روسيا والغرب حول الأمن الأوروبي في الأسبوع الماضي ستنتهي بالفشل، إذ لم تسمع موسكو ما يقنعها بأن الغرب مستعد للتعامل بجدّية مع طلبها الأساسي الذي يرتبط بمنع توسّع حلف الناتو شرقاً، فقد أصرّ الأمريكيون وحلفاؤهم في الناتو على إبقاء باب الحلف مفتوحاً أمام الدول السوفياتية السابقة وعلى عدم تدخّل روسيا بقرار انتساب البلدان إلى الناتو، لكن الغرب عرض على موسكو بعض التدابير لبناء الثقة بين الطرفَين والحد من التسلح في محاولة منه لتهدئة مخاوفها، وقد اعتبرت روسيا هذا الطرح مثيراً للاهتمام لكن أهميته تبقى ثانوية.
يجب أن تتشاور واشنطن مع حلفائها وشركائها الأوروبيين عن قرب لأن الوحدة الغربية تبقى أساسية في أي مفاوضات ناجحة، لكن لا يمكن أن تُصِرّ واشنطن على امتناعها عن التناقش حول أوروبا أو أوكرانيا مع روسيا من دون مشاركة الأوروبيين والأوكرانيين، فقد أثبتت محادثات الأسبوع الماضي أن الصِيَغ الواسعة ومتعددة الأطراف تسمح بتبادل الآراء لكنها لا تُسهّل المقايضات الصعبة التي ترافق أي مفاوضات حول الشؤون الأمنية الخطيرة، فحان الوقت إذاً للتخلي عن المواقف الظاهرية العابرة والتحاور مع موسكو مباشرةً حول الشؤون الأوروبية والأوكرانية.
تتطلب أي تسوية محتملة أن يوافق الغرب وروسيا على فترة مؤقتة لتعليق جميع النشاطات، كذلك، يجب أن يتفاوض الطرفان على شروط هذه التسوية للتوفيق بين رفض موسكو لأي روابط أمنية غربية مع أوكرانيا استعداداً لضمّها إلى حلف الناتو من جهة، وتصميم الغرب على منح أوكرانيا الوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها من جهة أخرى، وللتوصل إلى اتفاق إيجابي، تبرز الحاجة إلى استعمال مقاربة دبلوماسية مبتكرة، ولن تكون هذه المهمة مستحيلة إذا حصل الطرفان على الوقت الكافي لتنفيذها، وهذا ما حدث مثلاً حين وقّع الاتحاد السوفياتي والغرب على اتفاقيات هلسنكي في عام 1975.
في ما يخص الصراعات المستمرة والمجمّدة، تقضي المهمة الأساسية بتطوير مجموعة مُتفق عليها من الإجراءات التي تُشرّع فصل أرضٍ معينة عن دولة قائمة بحد ذاتها بنظر أعضاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ويُفترض أن تشمل هذه الإجراءات شكلاً من التصويت لمعرفة رأي السكان المحليين، فضلاً عن بعض القواعد العامة لتوجيه المفاوضات وحل المسائل التقنية المرتبطة بتطبيق فصلٍ سياسي سلمي، ويمكن تنفيذ هذه التدابير بطريقة شكلية في أكثر الصراعات احتداماً في كوسوفو وشبه جزيرة القرم للتأكيد على حقيقة شائكة مفادها أن كوسوفو ستبقى دولة مستقلة وأن شبه جزير القرم هي جزء من روسيا، لكن قد تنتج هذه الإجراءات نتائج مفاجئة عند تطبيقها في إقليم “دونباس” وفي الصراعات المجمدة داخل المساحات السوفياتية السابقة، حيث يصعب التأكد من آراء السكان المحليين تحت حُكم القادة الانفصاليين.
لا شك أن منتقدي التسوية سيعتبرون هذا الطرح شكلاً من الاسترضاء، لكنّ اتخاذ الخطوات الآنف ذكرها لا يعني أن يستنزف الغرب المبادئ التي يلوّح بها أو يتخلى عن أوكرانيا، وترتكز التسويات المقترحة على الفرضية القائلة إن العلاقات القائمة بين روسيا والغرب ستبقى عدائية لفترة مطوّلة، ولن يبدي أي طرف استعداده للاستسلام ولن ينجح أي منهما في دفع الطرف الآخر إلى التنازل، مما يعني أن المنافسة على مستقبل أوكرانيا ستستمر على الأرجح، حيث تهدف هذه التسويات إلى وضع المنافسة القائمة في إطار عمل يضمن تقليص المخاطر التي يطرحها أي صراع عسكري كارثي ويمنح الطرفَين فرصة لكسب منافع تدريجية مع مرور الوقت، وسيصبّ هذا النوع من المنافسة المسؤولة في مصلحة الغرب وروسيا حتماً.
بالاتفاق مع صحيفة الجريدة