الشرق اليوم- منذ بدء الحشد العسكري الروسي الضخم على الحدود الأوكرانية، أطلقت إدارة بايدن مجموعة مبادرات دبلوماسية بلغت ذروتها مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى أوكرانيا وألمانيا الأسبوع الماضي.
هدف بلينكن واضح: إقناع أوروبا، لا سيما ألمانيا، أكبر قوة فيها، بإنشاء جبهة مشتركة تزامناً مع اقتراح استمرار المفاوضات على الكرملين كحل بديل عن الحرب.
توحي دبلوماسية بايدن المدروسة بأن فريقاً مخضرماً يسيطر على الوضع، لكن وراء هذا التحكم الظاهري يكمن عيب مريع: تبدو الأوساط التقدمية مقتنعة بأن الردع العسكري أصبح خياراً بالياً، قد تكون تداعيات هذه النزعة كارثية على أوكرانيا والهندسة الأمنية الأوروبية ككل، رداً على الأزمة العسكرية المرتبطة بأوكرانيا، عمد الرئيس جو بايدن في البداية إلى استبعاد خيار نشر القوات الأمريكية الميدانية علناً، فأوضح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حدود الدعم الأمريكي.
قال بايدن في مؤتمره الصحافي يوم الأربعاء الماضي إن أي “توغل بسيط” قد يدفع الغرب إلى “التخبط حول ما يجب فعله” في ما يخص فرض العقوبات الاقتصادية، لكنّ هذا الموقف لن يؤجج مخاوف الكرملين.
إذا كانت مقاربة العقوبات الاقتصادية عقيمة، فلن تكون أداة التفاوض فاعلة أيضاً، حاول فريق بايدن إخماد أزمة أوكرانيا عبر استرضاء الكرملين انطلاقاً من مبدأ الحد من التسلح، فأشار مراراً إلى معاهدتَين انتهت صلاحيتهما: “معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى” التي تسيطر على أنواع معينة من الصواريخ، و”معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا” التي تَحِدّ من أعداد القوات العسكرية، لكن هذا النهج يرتكز على تمنّي الأفضل بكل بساطة.
لن يوافق بوتين إلا على الشروط التي تُضعِف الغرب أو تسمح له بالغش في مناسبات متكررة، ولا يصبّ أيٌّ من هذين الخيارَين في مصلحة الولايات المتحدة.
ما الداعي إذاً للتفاوض مع الروس؟ حين هددت روسيا أوروبا في حقبة سابقة، أعاق الرئيس دوايت أيزنهاور محاولة رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل عقد قمة مع موسكو عبر طرح فكرة بسيطة: الأفعال أهم من الأقوال! اليوم، تعمد الولايات المتحدة إلى تعويم بوتين والتفاوض معه رغم المخاطر الكبرى التي تُهدد مستقبل النظام الأمني الأوروبي، مع أن المقاربة المناسبة تقضي بالتراجع والتركيز بالكامل على تقوية أوكرانيا.
عبّر بلينكن، خلال زيارته إلى كييف هذا الأسبوع، عن جميع المسائل المهمة، لكن تبقى النقاط التي لم يذكرها أكثر أهمية، حيث تحتاج أوكرانيا إلى أسلحة دفاعية واسعة النطاق قبل حصول أي غزو روسي شامل، لا بعده، ومن الصادم اعتبار تقديم هذه الأسلحة إلى أوكرانيا شكلاً من الاستفزاز، وهذا ما يظنه فريق بايدن طبعاً، لا سيما بعدما توقّع الرئيس بايدن منذ أيام أن يتحرك بوتين لتحقيق هدف معيّن.
سبق أن كشف الحلفاء البريطانيون عن المقاربة المناسبة، وحين وصل بلينكن إلى كييف، ترجّل من طائرة شحن أرسلتها بريطانيا لتسليم أنظمة مضادة للدبابات، وتجنّبت الطائرة البريطانية خلال رحلتها المجال الجوي الألماني في محاولة واضحة لتفادي أي شرخ محتمل مع برلين التي رفضت إرسال مساعدات فتاكة إلى كييف.
تواجه الولايات المتحدة خياراً واضحاً اليوم: حَصْد إجماع خفيف لفرض عقوبات اقتصادية متعددة الأطراف، أو تزويد أوكرانيا سريعاً بأسلحة دفاعية واسعة النطاق، ولا يمكن اعتبار أوكرانيا مساحة جيوسياسية خامدة، فهي تُطِلّ على ساحل طويل في البحر الأسود ويطمح بوتين إلى توسيع هذا الخط وربط موانئ المياه الدافئة التي استولى عليها أصلاً في شبه جزيرة القرم ومدينة اللاذقية السورية.
لردع بوتين، حان الوقت إذاً لتطبيق مقاربات الردع العسكري التي أثبتت فاعليتها.