بقلم: فيصل عابدون – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– حقق لقاء وفد طالبان مع وفد المجتمع المدني الأفغاني في النرويج نجاحاً نسبياً في جهود الحركة المتطرفة الرامية لتغيير صورة التزمت المتشدد التي التصقت بها بسبب ظروف النشأة والتجربة. ووصفت الناشطة الحقوقية جميلة أفغاني اللقاء بأنه كان إيجابياً لكسر الجليد، وأن ممثلي طالبان أثبتوا حسن النية فيما يتعلق بالقضايا مثار النقاش. لكنها أبقت الحكم النهائي على الحركة وقادتها بانتظار ما ستسفر عنه التطورات على الأرض من قوانين وإجراءات وتدابير منتظرة باعتبارها سلطة الأمر الواقع التي تتطلع إلى الحصول على ثقة العالم واعترافه بنسختها الجديدة المعدلة.
وركزت المناقشات التي أجرتها المجموعة الممثلة للمجتمع المدني الأفغاني مع الوفد الطالباني برئاسة وزير الخارجية أمير خان متقي على موقف الحركة خصوصاً من قضية حقوق الإنسان، وهي القضية شديدة الحساسية والتي تعتبر طالبان أنها طورت طروحات جديدة تنسجم مع المفاهيم الدولية في قضايا الحقوق والمواطنة مختلفة بشكل جذري عما كان سائداً في صفوفها وعقول قادتها وعناصرها القاعدية.
وقد كان أمراً مفهوماً أن تبدأ مناقشات أوسلو مع وفد أفغاني لاستكشاف طبيعة التغييرات الجديدة في البنى الثقافية لحركة طالبان وإرسال تطمينات معينة حول اتجاهات الحكم الجديد، قبل أن تنتقل المحادثات إلى مستوى آخر يواجه فيه الوفد الطالباني مسؤولين غربيين للتباحث حول ملفات حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية وقضية الحكم نفسها ومعادلات تداول السلطة والحقوق السياسية والانتخابية للمواطنين، بالإضافة الى وضع المرأة. وهو المستوى الذي يتم فيه شرح المشكلات والتعقيدات وطرح المطالب السياسية وطلب الضمانات ومناقشة الاتفاقات الممكنة وإجراءات التنسيق. وقال الناطق باسم الحركة إن طالبان تأمل بأن تسهم المحادثات في “تبديل أجواء الحرب إلى وضع سلمي”.
إن حركة طالبان على وعي كامل بكونها حكومة منبوذة وتفتقر إلى الشرعية والاعتراف الدولي. وهي تدرك جيداً مخاطر هذا الوضع على استقرارها في الحكم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمسك بخناق البلاد والتحديات الأمنية المتزايدة المتمثلة في تنامي خطر تنظيم “داعش”، وحركة التمرد المسلح التي يقودها نجل زعيم الحرب السابق أحمد شاه مسعود.
وربما يكون الأخير أهون التهديدات التي تواجهها طالبان، فالحركة التي استولت على أكثر الأسلحة الأمريكية فتكاً وتطوراً تجد أنها قليلة الحيلة في مواجهة هجمات “داعش” المفاجئة والمميتة. ويسجل عجز مقاتلي طالبان عن وقفها واحتوائها نقطة ضعف بائنة تجعل صورتها أمام الشعب الأفغاني شديدة الاهتزاز وينعكس ذلك سلباً على سيطرتها على الحكم.
لكن التهديد الأشد خطورة هو الأزمة الغذائية والتردي المعيشي والاقتصاد المتداعي. وكانت المساعدات الدولية تموّل حوالي 80 في المئة من ميزانية أفغانستان إلى أن توقفت في أغسطس (آب) الماضي، وجمّدت الولايات المتحدة أصولاً بقيمة 9,5 مليار دولار في المصرف المركزي الأفغاني. وقفزت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، ولأشهر عدة عجزت الحكومة عن دوفع رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، بينما يهدد شبح الجوع 23 مليون أفغاني يمثلون 55 في المئة من السكان حسب بيانات الأمم المتحدة.