بقلم: أزراج عمر – النهار العربي
الشرق اليوم – أعلن مجلس الدولة الجزائري يوم الخميس الماضي تفعيل قرار المحكمة القاضي بالتجميد المؤقت لنشاطات حزب العمال الاشتراكي الجزائري وإغلاق مقاره، وتباينت ردود فعل أحزاب المعارضة الجزائرية تجاه هذا القرار فيما اكتفت الأحزاب الأخرى بالصمت حتى هذه اللحظات وفي مقدمها الأحزاب المحسوبة على النظام الجزائري والأحزاب الإسلامية التي لا تربطها علاقات جيدة بأحزاب اليسار العلماني الجزائري.
والجدير بالذكر هنا أن المواقف الرافضة تجميد نشاط حزب العمال الاشتراكي اقتصرت غالباً، وعلى نحو لافت للنظر، على بعض الأحزاب المحسوبة على اليسار التروتسكي وعلى جزء صغير من التيار العلماني الليبرالي ومجموعة من الجمعيات ذات الطابع الجمعوي المدني، ونذكر هنا بشكل خاص حزب القوى الاشتراكية، وحزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية.
وفي الواقع فإن حزب القوى الاشتراكية الذي يعتبر أقدم حزب معارض في فترة استقلال الجزائر قد صعَد أخيراً من لهجته فندَد بقوة بقرار مجلس الدولة الجزائري ضد حزب العمال الاشتراكي معتبراً سلوك هذا المجلس متناقضاً مع مبدأ التعددية الحزبية والحريات الديموقراطية.
أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية فقد أبدى تضامنه أيضاً مع حزب العمال الاشتراكي كما ندَد بمسلسل الحملات التي ما فتئ يتعرض لها ويعاني منها رئيسه محسن عباس شخصياً جراء مواقفه ضد النظام الحاكم الرافض للتغيير الراديكالي في البلاد، بحسب تصريحات الأعضاء القياديين في هذا الحزب المحسوب أساساً على المنطقة الأمازيغية ومكوَنها البشري عبر مختلف المحافظات الوطنية في الجزائر العميقة.
أما على مستوى الشارع الشعبي الجزائري فلم تسجل أي ردود فعل جماعية جدية أو تظاهرات شعبية تفصح عن دعمها لحزب العمال الاشتراكي، كما يلاحظ الغياب الكامل لأولئك الذي يصنفون أنفسهم كقيادات للحراك الشعبي الذي انطفأ نشاطه في المشهد السياسي الجزائري.
ينبغي التذكير هنا أن حزب العمال الاشتراكي الذي تأسس في عام 1989 ليس حزباً كبيراً من ناحية التركيبة البشرية، وليس لاعباً سياسياً قوياً على المستوى الوطني، إذ إنه لم ينجح في الانتخابات التي خاضها سابقاً، وجراء ذلك فهو لا يملك أي عضو في المجلس الوطني الشعبي، أما حصاده في الانتخابات البلدية والولائية التي أجريت في الأسابيع القليلة الماضية فشبه معدوم.
من الناحية العقائدية، هذا الحزب يوصف بأنه تقليدي ولا يتجاوز سقفه الأيديولوجي الأدبيات العتيقة للأممية الاشتراكية الرابعة والأفكار النمطية للمجموعة الشيوعية الجزائرية شأنه في ذلك شأنه حزب العمال الجزائري الذي تتزعمه التروتسكية الجزائرية المعروفة الويزة حنون.
وفي الحقيقة فإن حزب العمال الاشتراكي يعيد إنتاج الأزمة البنيوية الفكرية والتنظيمية والتاريخية التي ما فتئ يعاني منها اليسار الجزائري بصفة عامة وبخاصة في فترة استقلال البلاد كما سنوضَح لاحقاً.
وهنا نتساءل: لماذا لم يقدر حزب العمال الاشتراكي والأحزاب اليسارية الجزائرية الأخرى أن تحرك الجماهير؟ لا شكَ في أن السبب الجوهري يعود إلى غياب الفاعلية السياسية لدى أحزاب المعارضة بشكل عام وإلى تغلب المنطق الأيديولوجي اليساري النمطي لدى أحزاب اليسار الجزائري بشكل خاص.
بالإضافة إلى هذه العيوب والنقائص، فإن من الواضح أنَ الحراك الشعبي الذي عرفته الجزائر قد تمكن من الكشف عن هزال أحزاب المعارضة بكل أطيافها بما في ذلك أحزاب اليسار الجزائري التقليدي وفي المقدمة حزب القوى الاشتراكية (الأفافاس) الذي أسسه الراحل آيت أحمد الحسين، وحزب العمال الذي تزعمته على مدى عشرين سنة أمينته العامة الويزة حنَون التي أحيلت إلى السجن لمدة من الزمان بتهمة التآمر على أمن الدولة.
في هذا السياق، تنبغي الإشارة باقتضاب إلى أن اليسار الجزائري لم يتمكن حتى يومنا هذا من التحول قوة روحية ورمزية للشعب الجزائري، كما أنه عجز عن ابتكار خريطة سياسية وطنية تقوم على تأسيس قطبية حزبية لها تأثير إيجابي عميق في المشهد السياسي الجزائري، وبخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة.
فمثلاً، إن حزب القوى الاشتراكية الذي يعتبر أهم حزب يساري جزائري تأسس مباشرة بعد الاستقلال فشل فشلاً ذريعاً في تحصين نفسه بإطارات مثقفة تملك فكراً استراتيجياً متطوراً ونابعاً من خصائص المجتمع الجزائري، وفي تغذية صفوفه بكفاءات مدربة على تقنيات تحديث إدارة شؤون الدولة وتسييرها وتفعيلها على مستوى الهرم الأعلى وفي الجزائر العميقة في آن واحد. وفضلاً عن ذلك فقد افتقد هذا الحزب آليات تنظيم نفسه عبر الوطن كطليعة سياسية وثقافية وفكرية مستقطبة وهو الأمر الذي جعله يبدو مجرد حزب جهوي ذي مرجعية أمازيغية جهوية يكتفي غالباً بإعادة إنتاج شعارات الاشتراكية التقليدية، وبتكريس عزلته تنظيمياً فلم يصبح بسبب ذلك قوة جامعة لمختلف تيارات السيار الجزائري، بما في ذلك نقابة العمال وجمعيات المجتمع المدني التي كان من المفروض أن تكون جزءاً عضوياً من قاعدة الكتلة اليسارية الكبرى في الجزائر.
والحال، فإن حزب القوى الاشتراكية ليس وحده الذي ضيّع الرهان التاريخي، بل هناك أيضاً حزب العمال الذي ما فتئ يقدم نفسه ممثلاً للعمال الجزائريين، ولكنه لم يفلح في تجاوز طغيان ثقافة الحزب الواحد الأمر الذي منعه من التحول إلى نموذج حيوي متطور لليسار الجزائري تنظيمياً واستقطاباً لملايين العمال والفلاحين والمثقفين اليساريين.
ففي أوج الحراك الشعبي برزت أمام الرأي العام الوطني حقيقة اليسار الجزائري، وتأكد المواطنون حينذاك من أنَ سكوت أطياف اليسار الجزائري على سيطرة الويزة حنون على زعامة حزب العمال لمدة عشرين عاماً كاملة هو إخلال سافر بأبجديات الديموقراطية التي تفترض العمل بأسلوب التداول على تسيير هذا الحزب وتجديد قياداته المركزية والقاعدية لتفادي تكريس دكتاتورية الزعامة الفردية التي تعتبر أحد أخطر أمراض البنية السياسية الجزائرية.
إلى جانب هذا فإن تسلّط الزعيم التاريخي آيت أحمد الحسين على حزب القوى الاشتراكية لغاية وفاته في المهجر السويسري، وإسناد نقابة العمال لمدة طويلة جداً إلى شخص رأسمالي مثل سيدي السعيد كلها عوامل لعبت دوراً مفصلياً في تشويه اليسار الجزائري أمام الشعب الجزائري من جهة وفي تقليص حظوظه في أن يكون معياراً للديموقراطية غير المركزية في المشهد السياسي الجزائري.
بسبب غياب مشروع معمار الدولة الحديثة في الجزائر وفشل التنمية المتطورة وعدم تحول اليسار الجزائري إلى قطب سياسي وروحي قيادي في الحياة الوطنية، وجراء عدم استقطاب هذا اليسار شرائح العمال والفلاحين ونخب المثقفين البارزين إلى صفوف حزبي القوى الاشتراكية والعمال، لم يجد حزب العمال الاشتراكي تراثاً يسارياً ملهماً وبسبب ذلك بقي هو أيضاً مجرد هيكل نخبوي مغلق على نفسه ومن دون قاعدة جماهيرية عريضة تمنحه أسباب الوجود السياسي الفعلي.