بقلم: د. محمد علي السقاف – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- أغلب الدول الغربية الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية تاريخها حافل باحتلال واستعمار عدد كبير من الدول في مختلف أنحاء العالم، والولايات المتحدة بعد طي حقبة الاستعمار تميزت عن الدول الأوروبية في حروب قصيرة أو طويلة المدى مثل حرب فيتنام، والعراق، وأفغانستان.
المدهش في الأمر أن الصين والاتحاد السوفياتي مثلتا استثناءً لتلك الظاهرة الغربية خصوصاً الصين على وجه التحديد كانت مرتعاً لغزوات أجنبية لأراضيها أهمها كانت من قبل بريطانيا واليابان.
وبسبب خلو تاريخ استعماري بارز لكل من روسيا والصين فإنهما استخدما ذلك في تمدد نفوذهما نحو الدول الأخرى وبالأخص في علاقاتهما مع دول العالم الثالث.
والصين أكثر الدول التي استخدمت غياب سوابق تاريخية في الاستعمار وتأكيدها دائماً أنها جزء من العالم الثالث؛ ولذلك سعت لاستغلال ذلك من أجل التمدد في نفوذها في مناطق نفوذ الدول الغربية التي تتمتع بنفوذ كبير بحكم استعمارها الواسع جغرافياً لعدد كبير من الدول النامية، وحين ترى الدول الغربية محاولات تمدد الصين في مناطق نفوذها تسعى إلى التصدي لها ووضع العقبات أمامها.
وإحدى الأوراق التي تستخدمها في هذا الاتجاه هي ورقة الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، مستخدمة بذلك هيمنتها العالمية لوسائل التواصل الاجتماعي مثل (الفيسبوك وتويتر)، والمحطات الإعلامية الكبرى وهي غربية وأميركية بدرجة أولى مثل السي إن إن التي وصفتها مادلين أولبرايت وزيرة خارجية كلينتون السابقة بأن نفوذها يقارب نفوذ الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي.
وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى تجربة أحمد مختار إمبو مدير عام اليونيسكو السابق وهو من السنغال (1974 – 1987) الذي طالب في مرحلة سيطرة موضوع إقامة نظام عالمي اقتصادي جديد في السبعينات أن يشمل ذلك أيضاً إقامة نظام دولي جديد للإعلام وقوبل هذا التوجه بمعارضة شديدة من الإعلام الغربي العالمي قائلين إن اليونيسكو يكفيها ما لديها من مشاكل وعليها عدم التدخل في شأن الصحافيين وقضية الإعلام الدولي.
محددان رئيسيان يحددان علاقات الصراع والنفوذ بين الصين والعالم الغربي وهما الموقف من تايوان، ومبادرة “الحزام والطريق” أزمة تايوان هي مركز الصراع بين الصين والولايات المتحدة، التي للتذكير كانت آخر الدول الغربية من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التي عارضت قبول إحلال الصين الشعبية محل عضوية تايوان في مجلس الأمن، والأمم المتحدة، وحضت مؤخراً إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كل دول العالم على دعم “المشاركة القوية” لتايوان في كل المنظمات التابعة للأمم المتحدة، لأنها وفق بيان من وزير الخارجية أنتوني بلينكن “صارت قصة نجاح ديمقراطية” وأن الولايات المتحدة تنظر إلى تايوان باعتبارها شريكاً مهماً وصديقاً موثوقاً به، وبالطبع هذه الخطوة الأمريكية تتعارض مع موقف الصين التي تعتبر الجزيرة جزءاً لا يتجزأ منها وترفض أي تمثيل لها في المؤسسات العالمية.
تصريحات الرئيس جو بايدن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأن بلاده مستعدة أن تدافع عسكرياً عن تايوان، إذا شنت الصين هجوماً على تايوان التي تعدها الصين جزءاً من أراضيها يتناقض مع السياسة الأميركية التقليدية حول ما يسمى “الغموض الاستراتيجي” بتوفير السلاح لمساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها، ولم تقم في السابق بالتصريح عن استعدادها للدفاع عنها عسكرياً ما دعا الصين مطالبة واشنطن بأن تتصرف وتتحدث بحذر بشأن قضية تايوان. واستغلت الصين الانسحاب المعيب من أفغانستان بالقول إن تايوان لا يمكن لها الاعتماد على الولايات المتحدة للدفاع عنها.
وسيلاحظ في نطاق آخر مختلف كيف تعاملت بريطانيا مع الصين عند تخليها عن تعهداتها إزاء هونج كونج التي أعادتها إليها بريطانيا مع مكاو في عام 1997بأن تجعلها تتمتع بمزايا “دولة ونظامين” حيث لم تلتزم الصين بتعهداتها بتقويض بعض أوجه ديمقراطية هونغ كونغ، بإصدار قانون جديد للأمن، ما دفع ببريطانيا لتعويضهم عن ذلك اللاموقف نحو الصين بتقديم تأشيرات جديدة لمواطني الجزيرة يتيح لهم فرصة الحصول على الجنسية البريطانية.
وفي زيارته الأولى إلى مقر الخارجية الأمريكية حدد الرئيس بايدن أن سياسته إزاء الصين ستعتمد دبلوماسية ذات محورين رئيسيين وهما الحلفاء والقيم، التحالف الرباعي المشكل من الهند، أستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، التي تنظر إلى الصعود الصيني كمصدر تهديد لمصالحها العليا. والحلف الآخر الحديث تحالف “أوكس” الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا التي أعادت ترتيب هيكل القوة في منطقة المحيط الهادي والمحيط الهندي.
مبادرة “الحزام والطريق” ربطت الصين بقارات العالم واستطاعت من خلالها التغلغل إلى عدد من الدول الأوروبية مثل اليونان وأخرى آسيوية مثل باكستان وإيران وأفغانستان لتمدد نفوذها إليها.
وتمثل أفريقيا أكثر المناطق التي استطاعت الدبلوماسية الصينية اختراقها عبر ضخها مليارات الدولارات لتحديث بنيتها التحتية وفي الوقت نفسه جعل أفريقيا مرهونة للصين بديون تلاقي صعوبة بالوفاء بها.
في الخلاصة يمكن القول إن التهديدات باحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا بسبب أوكرانيا أو تايوان هل يمكن أخذها محمل الجد، في الوقت الذي ولأول مرة يصدر قادة الدول الرئيسية الخمس بياناً مطلع يناير (كانون الثاني) هذا العام بشأن منع حرب نووية وتجنب سباق التسلح وعدم استهداف بعضها البعض أو أي دولة أخرى؟