بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- لن تكون الحرب في أوكرانيا خياراً سهلاً لا بالنسبة إلى روسيا ولا بالنسبة إلى الغرب خصوصاً أوروبا. لذلك لا مفر من فتح باب الحوار بين الجانبين على رغم إخفاق محاولات سابقة جرت بين 9 كانون الثاني (يناير) الجاري و13 منه في جنيف وبروكسيل وفيينا، وشملت لقاءً أمريكياً – روسياً، وأطلسياً – روسياً واجتماعاً لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
التوتر المتصاعد فرض لقاء جنيف بين وزيري الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره الروسي سيرغي لافروف، لسبر غور السبل الكفيلة بنزع فتيل المواجهة العسكرية التي يرى البيت الأبيض أنها قد تنشب “في أي وقت”. بينما أرسلت روسيا قوات إلى بيلاروسيا لهدف معلن وهو إجراء تدريبات مشتركة مع القوات البيلاروسية. لكن واشنطن قرأت التدريبات وكأنها خطوة أولية على طريق التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، الذي توقع البنتاغون أن يحصل من الآن وحتى أواسط شباط (فبراير) المقبل.
وفي مقابل رفع روسيا سقف التحدي، تتوالى زيارات المسؤولين الغربيين إلى أوكرانيا. من بلينكن إلى وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك. وقبلهما زار الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل الخط الأمامي للجبهة في شرق أوكرانيا، في خطوة ذات دلالة رمزية إلى الدعم الذي تمحضه الدول الأعضاء في الاتحاد لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
ويكرر المسؤولون الغربيون التحذيرات من الثمن الباهظ الذي ستدفعه روسيا في حال أقدمت على غزو أوكرانيا. وإلى العقوبات الاقتصادية والسياسية المتوقعة، أكدت أمريكا وبريطانيا وكندا في الأيام الأخيرة إنها ستزود أوكرانيا بالأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها. وسارعت دول البلطيق المنضوية في حلف شمال الأطلسي إلى إرسال صواريخ مضادة للدبابات والطائرات إلى أوكرانيا، بينما سيبدأ الأطلسي مناورات الاثنين المقبل لإظهار قوة الردع في مواجهة الحشود والمناورات الروسية.
وهذا مؤشر إلى ما يمكن أن يتبع ذلك من تورط غربي مباشر في الحرب إذا ما نشبت.
ولا شيء يمكن أن يكسر الخط البياني المتصاعد للتحذيرات والتهديدات المتبادلة، سوى تحقيق اختراق عبر الحوار. ولا يمكن أمريكا أن تقول إنها غير معنية بما تطالب به روسيا من ضمانات بعدم تمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً أو إرسال قوات أمريكية إلى جمهوريات سوفياتية سابقة. لأن الرفض سيقود حتماً إلى الحرب التي ستتحول ورطة لجميع الأطراف.
الإصرار الأمريكي على تطويق روسيا إستراتيجياً بحلف شمال الأطلسي، باتت روسيا ترى فيه تهديداً مباشراً لأمنها. ويتعين أن يأخذ الغرب هذه النقطة في الاعتبار، وأن لا يبقى متسلحاً بالمواقف الإيديولوجية، من مثل تلك التي تقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يريد إحياء الاتحاد السوفياتي مجدداً، عبر غزو ثانٍ لأوكرانيا بعد ضم القرم عام 2014 أو عبر ما فعله في السابق في جورجيا وصولاً إلى دعم النظامين في بيلاروسيا وكازاخستان، والسعي إلى إعادة التوازنات التي كانت سائدة في أوروبا قبل سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعينات من القرن الماضي.
لا يريد الغرب الاعتراف بأي مصالح لروسيا في محيطها أو في العالم، ويعيش على الدوام عقدة الاتحاد السوفياتي، من منطلق أن تفكك الاتحاد كان بداية النظام الدولي الجديد الذي يتزعمه الغرب لا سيما الولايات المتحدة، التي تعمل بكل الوسائل لتقويض أي محاولة من جانب روسيا أو الصين، لإيجاد عالم متعدد الأقطاب.
الكثير من التعبئة الغربية في أوكرانيا، تصب في هذا الإتجاه. وإلا لن تزيد أوكرانيا في قوة حلف شمال الأطلسي ولا في قوة أمريكا. ولا تعدو المواجهة كلها دائرة الآن حول احتفاظ أمريكا بزعامة العالم. وما فقدته من هيبة في خروجها من أفغانستان، تحاول عبر “الصمود” في أوكرانيا تأكيد مكانتها العالمية، قطباً وحيداً يحكم ويتحكم سعيداً بمقدرات العالم منذ أكثر من 30 عاماً.
لكن الأمور وصلت اليوم إلى حد التورط في حرب جديدة على الأراضي الأوروبية يخسر فيها الجميع. ومن هنا يبقى الحوار الرهان الوحيد للتوصل إلى حلول وسط تنزع فتيل الانفجار الكبير.