بقلم: روعة قاسم – النهار العربي
الشرق اليوم – اعتبر مراقبون أن إعلان المغرب عزمه على مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع كل من تونس ومصر، بهدف تقليص العجز التجاري مع هذين البلدين، استهدافاً للعلاقات الاقتصادية المغاربية والعربية التي لم ترتق بعد إلى المستوى المأمول. فالتجارة البينية بين بلدان شمال أفريقيا لم تتطور كثيراً في السنوات الأخيرة، وكان المفروض دعم ما تحقق في الماضي باتفاقيات جديدة، لا التراجع عما سبق من خلال خفض حجم المبادلات.
ويرى هؤلاء أن التبريرات التي قدمها المغرب دفاعاً عن رغبته في تخفيف حجم المبادلات مع تونس ومصر، والمتمثلة بالأساس في سعيه إلى حماية النسيج الصناعي، والحفاظ على الوظائف في عدد من القطاعات، لا تبدو مقنعة. فالعصر هو عصر العولمة والأسواق المفتوحة والمنافسة الحرة وتطوير السلع المحلية، وفق معايير الجودة لتصير قادرة على فرض نفسها في الأسواق المحلية والخارجية.
وبالتالي فإن الانكماش والتقوقع على الذات، والمبالغة في الإجراءات الحمائية خوفاً على الصناعة المغربية، أمور ستعوّق تطورها وستجعل المنتوج المحلي مفتقداً القيمة المضافة، والتي يحددها المستهلك دون سواه عند اختياره للمنتوج الأكثر جودة. فالمستهلك هو من يلعب دور الحكم بين البضائع التي تتنافس في السوق، بقطع النظر عن جنسيتها ويختار ما يراه مناسباً له من دون وصاية من أي طرف كان، بما في ذلك الدولة التي تغير دورها في العصر الحديث، ولم تعد تتدخل كثيراً في الاقتصاديات الحرة.
ولعل السؤال الذي يطرح هو: ماذا لو قامت كل من تونس ومصر بزيادة الضريبة المفروضة على السلع المغربية التي تستوردانها، وذلك في إطار المعاملة بالمثل، باعتبار أن المغرب، وللحد من تدفق بضائع البلدين عليه، يعتزم رفع الضريبة على السلع المستوردة منهما؟ ألن يضر ذلك بالحركة الاقتصادية في عموم المنطقة، وهي المنتكسة بفعل ضعف التجارة البينية بين البلدان العربية وحتى المغاربية في الإطار الجغرافي الضيق؟ ولماذا الاستهداف لتونس ومصر دون سواهما، بخاصة أن الميزان التجاري المغربي مختل مع بلدان أخرى تنتمي إلى مناطق مختلفة من العالم لم تقع إثارة مسألة مراجعة الاتفاقيات التجارية معها؟
ولعل ما يؤكد للبعض الاستهداف المغربي المبالغ فيه اقتصادياً لكل من تونس ومصر، هو إعداد المغاربة لائحة تضم المنتجات التونسية والمصرية التي سيمنع استيرادها أو التي ستزداد عليها ضرائب إضافية دون سواها، على غرار الأدوات المنزلية التونسية التي عرف التونسيون بجودة تصنيعها، والتي لا براد لها منافسة السلع المغربية في عقر الديار. ويتساءل كثيرون في هذا الإطار: ألا يكفي المغرب أنه استحوذ في السنوات الأخيرة على جل الاستثمارات الخارجية التي كانت موجهة إلى بلدان شمال أفريقيا بسبب حالة الفوضى التي عاشتها تونس وبدرجة أقل مصر؟ ألم تستفد الرباط من غياب الخضراء عن سوق الفوسفات العالمي للاستحواذ على زبائنها، وكذلك فقدانها قدرتها على الجذب السياحي لتحويل وجهة ملايين السياح قبل أن تجهز الجائحة على هذا القطاع؟
ألا يجب احترام الاتفاقيات الموقعة وعدم المساس بها، وإلا غابت المصداقية عن الطرف المخل بالتزاماته، وصار من غير الممكن أن يثق العالم بما يُبرم من اتفاقيات مستقبلاً من قبله؟ أليس من حق التونسيين والمصريين اليوم أن يوقفوا استيراد منتجات مغربية أو فرض ضرائب إضافية عليها في أسواقهم، وذلك بعدما بادر المغرب إلى التراجع عن التزاماته مع شركائه من خلال هذه الرغبة بفرض قواعد لعبة جديدة على مقاسه في علاقته بكل من تونس ومصر؟
في المقابل، يرى البعض أن من حق المغرب القيام بهذه المراجعات، باعتبار أن العجز في الميزان التجاري مع البلدين بلغ حداً غير معقول، إذ تشير الأرقام إلى أن قيمة واردات المغرب من تونس تبلغ 236 مليون دولار، فيما لا تتعدى قيمة صادراته إلى الخضراء 89 مليون دولار. كما أن المغرب هو صاحب السيادة على أسواقه، ولا أحد يمتلك الحق في أن يجبره على ما يجب القيام به، شرط أن يقبل هو بالمقابل أي إجراءات يمكن أن تتخذها الأطراف الأخرى بشأن المنتجات المغربية التي ترد الى أسواقها.
فتونس على سبيل المثال، أعلنت في وقت سابق أنها ستراجع اتفاقياتها التجارية مع تركيا، أملاً في الحد من العجز في الميزان التجاري مع الأتراك الذي تفاقم خلال فترة حكم حركة “النهضة”، بخاصة أن الأسواق التونسية تستقبل من أنقرة سلعاً لا يحتاجها التونسيون أو هم ينتجون مثلها. وبالتالي فإن من حق أي كان، في هذا العالم، مراجعة اتفاقياته، رغم أن الأمر مختلف بين الحالتين، باعتبار أن الاتفاقيات التونسية مع الأتراك أبرمت في ظرف استثنائي كان فيه الطرف التونسي ضعيفاً خاضعاً لإملاءات نظيره التركي، وذلك بعدما دعم وصول الإخوان في تونس إلى الحكم، ليسدوا له جليل الخدمات بعد سيطرتهم على مفاصل الدولة.