بقلم: حسن مدن – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – أنا أحد من يستخدمون وصف «القارة العجوز» حين آتي في مقالاتي على ذكر أوروبا. ولم يحدث أن وقفت أمام هذا الوصف. لماذا اصطفينا أوروبا من بين قارات الأرض لنصفها بالعجوز، وكيف لها أن تكون عجوزاً وهي الأكثر حداثة بين القارات في أمور كثيرة، ليست التقنيّات أهمها بالضرورة.
قرأت أن لهذه التسمية ثلاثة أسباب على الأقل، بينها السبب الذي يقول بقدم الحضارات التي عرفتها كالإغريقية والرومانية والبيزنطية، مع أن سؤالاً مهماً لا مفرّ من طرحه، حين يتعلق الأمر بالحضارات القديمة، فماذا إذن عن حضارة وادي الرافدين والحضارة الفرعونية والحضارتين الهندية والصينية القديمتين، وهي كلها قامت خارج أوروبا، بل وبعيداً عنها؟
هناك سبب آخر تعزى إليه التسمية هو النسبة المرتفعة من كبار السن مقارنة بالتعداد الكلي لعدد سكان القارة، فبحلول منتصف هذا القرن ستزداد نسبة المسنين بالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15-64 في أوروبا لتصل إلى مستوى شخصين في سن العمل لكل متقاعد، وهو ما حمل بلدان القارة مضطرة للتعويض عن نقص الشبان فيها باستيعاب المهاجرين من جنسيات مختلفة، مع ما ترتب على ذلك من سجالات وإشكالات، اقتحمت حقل السياسة، أو لعل السياسة هي من اقتحمها.
هناك تأويل آخر يدخل في الحيز الأسطوري، يرجع تسمية قارة أوروبا إلى أسطورة يونانية قديمة عن أميرة جميلة تدعى أوروبا، اختطفها زيوس على هيئة ثور أبيض وذهب بها إلى كريتز. واياً كانت الأسباب أو التأويلات، فالمتفق عليه في الوصف هو أن أوروبا قارة عجوز.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الطامح إلى زعامة فرنسية لأوروبا، بوده أن يتولاها هو شخصياً، دعا الأوروبيين، في الكلمة التي ألقاها أمام البرلمان الأوروبي، إلى بناء نظام جديد للأمن والاستقرار، معتبراً أن ذلك ليس خياراً وإنما ضرورة، لتفادي التصعيد مع موسكو، في أوج التوتر بين روسيا والغرب، مؤكداً أن هذا يتطلب ضمانات لأمن روسيا من بينها تعهد بعدم توسيع حلف الأطلسي ليشمل أوكرانيا خصوصاً، وإقامة «نظام أوروبي يرتكز على المبادئ والقواعد التي عمدنا إليها وطبقناها ليس ضد روسيا أو بدونها، ولكن مع روسيا قبل 30 عاماً».
الأهم من هذا هو مطالبة ماكرون، في الخطاب نفسه، الأوروبيين بالتحلي بـ«الجرأة» لكي يفرض الاتحاد الأوروبي نفسه «قوة مستقبلية تتمتع بالسيادة» من أجل عدم الاعتماد على قوى أخرى عالمية. دعوة جريئة بالفعل، لكن دونها عقبات عدّة، فهل بوسع أوروبا فعلاً أن تكون «سيّدة» قرارها، ومستقلة عن قوى عالمية أخرى، التي هي هنا الولايات المتحدة الأمريكية لا سواها؟ وهل تأتي ساعة لا تُملى فيها على أوروبا الشروط من وراء المحيط؟