بقلم: جويس كرم – الحرة
الشرق اليوم– حشد فلاديمير بوتين ما يقارب 127 ألف جندي روسي على الحدود مع أوكرانيا يهدف إلى كسب روسيا أوراق في إعادة موضعها مع الغرب وواشنطن تحديدا، ويمنح الكرملين خيار الدخول إلى شرق أوكرانيا لدعم الانفصاليين والسعي وراء المصالح الأمنية والنفطية له هناك.
طبول الحرب تقرع على الحدود الروسية-الأوكرانية. بوتين عميل الـ”كي-جي-بي” سابقا لايزال متربعا على أمجاد الاتحاد السوفياتي قبل أن تتناثر العقيدة الشيوعية وهيكليتها الاقتصادية الفاشلة في نهاية الثمانينات. الرئيس الروسي يريد استعادة مجد السوفيات، ولا يدرك أن اقتصاد روسيا هو أصغر اليوم من اقتصاد ولاية كاليفورنيا.
بوتين لا يعترف ضمنيا بدول أوروبا الشرقية التي انفصلت عن المنظومة السوفياتية الشيوعية المهترئة في الثمانينات. فهو يرى بيلاروسيا امتدادا لروسيا، وكازاخستان وأوكرانيا وجورجيا حديقة خلفية مشروعة لكي تنقض عليها موسكو ساعة يحلو لبوتين أو يشعر بتهديد منها. لذلك، خوض بوتين معركة لقضم جزء من شرق أوكرانيا كما فعل في القرم في 2014 يقع ضمن التفكير المنطقي للزعيم الروسي إلا إذا تمكن من اقتناص تنازلات وبدائل من الغرب أكثر ترغيبا من اجتياح عسكري.
طبعا اليوم وفي حال قرر بوتين خوض مغامرة عسكرية في أوكرانيا فهناك شعبة من الخيارات والاحتمالات. فالفوز الكامل والوصول إلى كييف غير مطروح اليوم نظرا للتكلفة البشرية والاقتصادية والسياسية الضخمة، وهناك أيضا احتمال التوغل الجزئي شرقا وإقامة منطقة آمنة كما فعلت إسرائيل في جنوب لبنان بالإضافة إلى خيار القصف من الخارج لدعم الانفصاليين من دون الدخول الفعلي لأوكرانيا.
إنما قبل الإقدام على أي من هذه الخطوات يسعى بوتين إلى استخدامها لمفاوضة الغرب وإعادة موازنة العلاقة مع واشنطن ودول حلف الشمال الأطلسي. فبوتين ينظر اليوم للساحة العالمية ويرى منافسة بين الصين وأميركا تغيب عنها موسكو، وهو يرى طاولة للاقتصادات الأكبر في مجموعة السبع من دون اللاعب الروسي. وإذا نظر غربا يرى أن تركيا نجحت في أذربيجان في استعادة إقليم كاراباخ وبمساعدة من المنافس السياسي السابق للاتحاد السوفياتي أي تركيا. وتركيا هي نفسها اليوم التي تزود أوكرانيا بطائرات من دون طيار نجحت في حسم معارك في كاراباخ وليبيا وأثيوبيا، وهذا ما يقلق بوتين.
في نفس الوقت يريد الزعيم الروسي تنازلات من الغرب كثمن لعدم إشعال الفوضى في الجبهة الأوكرانية. وهنا المفاوضات ليست حصرا حول أوكرانيا، فبوتين يريد أن يكون حاضرا على الطاولة في قمم الدول الكبرى، وأن يبيع منظومات دفاعية مثل أس-400 للهند من دون مواجهة العقوبات الأميركية. أما ضمانات عدم دخول أوكرانيا حلف الناتو في لم تكن أصلا خيارا لسحبها اليوم، كذلك قلب الحكومة في كييف ليس عقلانيا لأنها لا تشكل تهديدا حيويا لموسكو. احتلال شرق أوكرانيا في حال قامت روسيا لذلك سيكون لأسباب جغرافية لربط المنطقة بالقرم وحماية المصالح النفطية إنما يبقى خيار أخير لبوتين.
اليوم الدب الروسي يريد انتباه الغرب أكثر منه احتلال أوكرانيا، والتنازلات الاقتصادية الدفاعية من جوزيف بايدن تهم فلاديمير بوتين أكثر من مصير فولوديمير زيلينسكي. فهل تنجح هذه المقايضة في اجتماع اليوم بين أنتوني بلينكن وسيرغي لافروف؟ النجاح يعني توفير أوكرانيا وأوروبا هزة أمنية وسياسية، فيما الفشل يعني دخول بوتين في مغامرة عسكرية جديدة قد تكون مكلفة على روسيا وحدودها الغربية من دون أن تعيد المجد السوفياتي أو أن تقلب الحكومة في كييف.