الرئيسية / مقالات رأي / مفارقات حرب الغاز!

مفارقات حرب الغاز!

بقلم: د. محمد العسومي – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – على الرغم من اكتمال خط «نورد ستريم2» لنقل الغاز الطبيعي من روسيا الاتحادية إلى ألمانيا، منذ شهر سبتمبر الماضي، وقد كلَّف 11.5 مليار دولار، فإن ضخ الغاز متوقف بسبب الموقف الأميركي المتشدد، والذي يعتقد أن هذا الخط سيزيد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. وبررت هذه المعارضة مؤخراً باستغلال بعض الأزمات الجيوسياسية، كأزمتي أوكرانيا وكازاخستان.

ويبرز هنا سؤالان مهمان: إلى أي مدى تعتبر التبريرات الأميركية لمعارضة خط «نورد ستريم2» صحيحة؟ وهل لهذه المعارضة أغراض أخرى تجارية أكثر منها أي شيء آخر؟

نعتقد بناءً على ما سيأتي لاحقاً أن هذا الموقف الأميركي المتشدد يستند على أسس اقتصادية وتجارية بعيداً عن الاعتبارات السياسية أو الاعتماد المتزايد لأوروبا على الغاز الروسي. ولنأخذ على سبيل المثال الموقف الأميركي من خط أنابيب غاز آخر ليس له علاقة بروسيا وتطلعاتها، ففي بداية الأسبوع الجاري أعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها بشأن خط أنابيب غاز شرق المتوسط «ايست ميد» بين اليونان وقبرص وإسرائيل لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي، علماً بأن هذا الخط يعتبره بعض المحللين بديلاً منافساً لـ«نورد ستريم2» يساعد في تخفيف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي!

ويحدث ذلك في ظل أزمة إمدادات غاز محتدمة في الغرب بسبب الشتاء، مما رفع أسعار الغاز هناك إلى عشرة أمثالها في الولايات المتحدة، حيث حاولت واشنطن التخفيف من حدة هذه الأزمة، من خلال ضخ المزيد من صادرات الغاز الأميركية لدول الاتحاد الأوروبي، إلا أن ذلك لم يساعد كثيراً على التخفيف من ارتفاع الأسعار، والذي انعكست نتائجه على أسعار بقية السلع في الأسواق الأوروبية، حيث ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا الأسبوع الماضي وحده بنسبة كبيرة بلغت 40%. وبربط حالتي المعارضة الأميركية لخطي «نورد ستريم2» و«ايست ميد»، يتّضح تماماً أن لهذه المعارضة طابعاً تجارياً بحتاً، فالأسواق الأوروبية أضحت أهم الأسواق لصادرات الغاز الأميركي، وبالأخص بعد تضاعف الإنتاج بفضل الغاز الصخري المنتَج بكثافة في الولايات المتحدة، في حين يصعب على واشنطن، لأسباب لوجستية، زيادةَ الصادرات للبلدان الآسيوية والتي تعتبر المستهلك الرئيس الآخر للغاز الطبيعي في العالم، إذ لا تستطيع منافسةَ الغاز القطري والأسترالي اللذين يتمتعان بميزات تنافسية من ناحيتي تكاليف الإنتاج والنقل للقارة الآسيوية.

وعلى الرغم من تضرر المصالح الغربية، وبالأخص الألمانية، جراء وقْف تشغيل «نورد ستريم2»، وتحمّل المستهلك الأوروبي أعباء إضافية بسبب ارتفاع الأسعار، فإن دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدّمتها ألمانيا باعتبارها المعني الأول بالموضوع، لا تستطيع تحريك ساكن في هذا الأمر بسبب العقوبات الأميركية المسلَّطة على رقاب الشركات الأوروبية العاملة في المشروع والتي لها مصالح كبيرة في الولايات المتحدة، أما الشركات الروسية فيمكنها تحدي سيف العقوبات الأميركية.

ومن جهة أخرى، يتعارض هذا الموقف مع الدعوات الأميركية المستمرة لحرية التجارة العالمية، وهو يشبه إلى حد كبير التعامل الأميركي المزدوج حول حقوق الإنسان. ويعني ذلك أن النظام الدولي يواجه أمراً خطيراً جداً يكمن في استغلال أدوات الضغط السياسي والعسكري لتحقيق مكاسب تجارية واقتصادية بعيداً عن المنافسة التجارية العادلة، وهو ما يتناقض أيضاً مع أنظمة وقوانين منظمة التجارة العالمية التي تضم معظم دول العالم. وفي نهاية المطاف سيتم تشغيل هذا الخط، فالغلبة ستكون للمصالح الأوروبية ولاحتياجات اقتصادات دول الاتحاد للطاقة، وبالأخص بعد الانتعاش الاقتصادي المتوقع إثر انتهاء جائحة «كوفيد-19».

كما أنه من المحتمل أن تخفف الولايات المتحدة ضغوطَها إذا ما حققت بعض المكاسب التجارية من خلال عقود طويلة الآجل لصادراتها من الغاز نحو أوروبا، بالإضافة إلى إمكانية تحقيقها بعض المكاسب الجيوسياسية في الصراع حول أوكرانيا، إلا أنه حتى ذلك الوقت ستتحمل الشركات الأوروبية التي استثمرت في هذا المشروع الحيوي المزيد من الخسائر، والتي من غير المحتمل أن تحصل على تعويضات ذات أهمية تذكر من أي جهة.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …