BY: James Stavridis
الشرق اليوم – خلال العقود الأخيرة من الحرب الباردة، كان هناك القليل من التعاون أو التوافق بين الاتحاد السوفييتي والصين، إذ كان للروس وجود عسكري عالمي أكثر تطورًا بكثير، ومستوى أعلى من الطموح لفرض أيديولوجيتهم على الآخرين، وكذلك اقتصاد أكبر بكثير، بينما كانت بكين تركز بشكل أساسي على الوضع الداخلي، كما كانت تكافح (ونجحت في النهاية) في انتشال معظم سكانها من الفقر وبناء اقتصاد يمكنه توفير الدعم لهم، وبحلول أوائل الستينيات، انقسمت القوتان الشيوعيتان بشكل حاسم.
وقد بات هناك اليوم تقارب متنامٍ سريعًا بين موسكو وبكين، والذي ظهر مؤخرًا في دعم الصين القوى للتدخل الذي تقوده روسيا في الاضطرابات المدنية في كازاخستان.
ولكن ما مدى جدية هذه العلاقة، وماذا تعني للولايات المتحدة وحلفائها الديمقراطيين؟
تشترك روسيا والصين في تقليد طويل من الحكم الاستبدادى والأيديولوجية الشيوعية، ولديهما رفض عام لأي عمل دولي يسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، خاصة عندما ينطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان، إذ أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ لنظيره الروسي فلاديمير بوتين «معارضة الصين الشديدة لأي محاولة من قبل قوى خارجية لإثارة الاضطرابات والتحريض على الثورات في كازاخستان»، وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تصوت كل منهما بشكل متزامن وتستخدمان حق النقض ضد القرارات الخاصة بكل شيء من سوريا إلى فنزويلا إلى ميانمار.
ومن الناحية الدبلوماسية، تهتم كل من الصين وروسيا ببناء منظمات دولية جديدة كبدائل لمؤسسات «بريتون وودز» التي قادتها الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتشمل هذه منظمة معاهدة الأمن الجماعي لست دول سوفييتية سابقة (تم بموجبها التدخل في كازاخستان)، ومنظمة شنغهاي التعاونية (أكبر مجموعة غير حكومية في العالم على أساس عدد سكان الدول الأعضاء)، والمنظمة الاقتصادية الإقليمية الشاملة الجديدة.
ثم هناك العلاقة العسكرية المتنامية، إذ أجريت أكبر مناورات عسكرية منذ نهاية الحرب الباردة على حدود روسيا والصين في خريف 2018، والتي أطلق عليها اسم «فوستوك-2018»، وتضمنت المناورات مشاركة أكثر من 300 ألف جندي روسي وصيني، وما يقرب من 40 ألف مركبة، و80 سفينة حربية وآلاف الطائرات والمروحيات والطائرات بدون طيار، كما حضرها كل من شي وبوتين، وكانت الصور الدعائية للجنود الروس والصينيين وهم يتعانقون بعد إنهاء التدريبات المشتركة مذهلة.
وتتدرب السفن الحربية الروسية والصينية بشكل روتيني معًا وذلك ليس في شمال المحيط الهادئ فحسب، ولكنها انتشرت معًا في شرق البحر الأبيض المتوسط وشمال المحيط الأطلسي وبحر البلطيق في قلب أوروبا، وفي الفضاء، أعلنوا مؤخرًا عن مهمة مشتركة لوضع محطة على القمر.
وبطبيعة الحال فإن هناك مجالات محل خلاف ومنافسة بين موسكو وبكين، حيث لا تتوافق الدولتان في مسألة المناخ، إذ اتخذت الصين موقفًا أكثر ميلًا من روسيا إلى الحد من انبعاثات الكربون، وبينما يريد بوتين ربط الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى ببلاده، فإن الصين تسعى إلى توسيع العلاقات الاقتصادية والأمنية مع العديد منها، كما تضغط الأخيرة بقوة من أجل التفوق في أفغانستان في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة، ولكن يبدو أن روسيا أقل رغبة للانخراط في كابول، وذلك نظرًا لتاريخها السيئ هناك.
ولكن من الناحية الجيوسياسية، فإنه يبدو أن الدولتين تكملان بعضهما البعض، إذ يوجد في الصين عدد هائل من السكان، ونقص فى الموارد الطبيعية الحيوية مثل النفط، كما أن هناك اقتصادا قويا ومتنوعا، وكذلك نفوذ قوي في معظم دول شرق آسيا وإفريقيا، فيما يعيش سكان روسيا في حالة ركود، ولكن هناك موارد طبيعية هائلة في النفط والغاز، كما أن اقتصادها غير متنوع على الإطلاق، ونفوذها قوي في أجزاء من أوروبا وآسيا الوسطى والقوقاز، ولذا فإنهما يمثلان مزيجًا هائلًا معًا.
ولكن من وجهة نظر الولايات المتحدة والغرب، فإن هذه العلاقات المتنامية تنذر بالخطر، لا سيما إذا قام شي وبوتين بزيادة تنسيق السياسات وتقاسم القواعد العسكرية وتقديم تنازلات اقتصادية لبعضهما البعض، فضلًا عن تبادل التكنولوجيا العسكرية مثل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والأسلحة الإلكترونية.
وسيكون للعلاقات الصينية – الروسية الأوثق تأثير كبير على مجموعة من القضايا المهمة التي تواجه المجتمع الدولي، من تايوان وأوكرانيا إلى حقوق الإنسان العالمية للانتشار النووي من قبل كوريا الشمالية وإيران.
ومن أجل الرد على ذلك، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى دفع الديمقراطيات العالمية نحو توحيد هدفها في مواجهة العمل المنسق من قبل موسكو وبكين، ويجب أن يتضمن ذلك جذب الهند في اتجاه الغرب من خلال التعاون التجاري والعسكري، وتعزيز التعاون بين الديمقراطيات في مجال الأمن السيبراني، وبناء منظمات تجارة حرة جديدة وتقوية المؤسسات الأمنية متعددة الجنسيات مثل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ومع اقتراب القوتين العظميين الاستبداديتين (موسكو وبكين) من بعضهما البعض، فإنه يجب على الغرب أن يرد بشكل جماعي، وذلك بدءًا بوجود جبهة موحدة في مواجهة التهديد الروسي المتزايد لأوكرانيا.
ترجمة: المصري اليوم