بقلم: أنس بن فيصل الحجي – اندبندنت عربية
الشرق اليوم – عندما تتنفس الأرض… فإن تنفسها يتناسب مع حجمها وقوتها… ولا أدلَّ على ذلك من بركان هونغا تونغا بالقرب من جزيرة توغا في المحيط الهادي. البركان تفجر من قاع البحر يوم السبت 15 يناير (كانون الثاني) الحالي، وأصدر كمية غازات هائلة… وقد يكون له انعكاسات لعقود قادمة، وقد تكون له انعكاسات سياسية واقتصادية، بسبب آثاره المناخية والبيئية.
قدَّر بعض الخبراء أن بركان هونغا تونغا قريب في قوته من بركان بيناتوبو في جبال زامبيلز في الفيليبين، الذي انفجر في منتصف شهر يونيو (حزيران) من عام 1991، وهو ثالث أقوى انفجار بركاني في العالم في القرنين الماضيين بعد بركان تامبورا في إندونيسيا في عام 1815، الذي كانت قوته عشرة أضعاف قوة بركان بيناتوبو، وبركان نوفاروبتا في ألاسكا في 1912.
إلا أن خبراء آخرين يرون أن بركان هونغا تونغا ليس كبيراً بالشكل المذكور أعلاه، ويرون أن كمية انبعاثات الغازات أقل بكثير مما تم ذكره. ولكن يُرد على ذلك بأن ما تم قياسه كان عن طريق الأقمار الاصطناعية وكان هناك انقطاع في البث لسبب غير معروف، ومن ثم فإن المعلومات مبتورة.
مهما كان الفرق، فإن هناك حقيقة علمية مفادها أن البراكين تخفض من حرارة الأرض، لأن الغازات والانبعاثات لا تحجب أشعة الشمس فقط وإنما تعكسها أيضاً. باختصار، بركانَان مثل بركان بيناتوبو كل بضع سنوات يخفضان حرارة الأرض بشكل ينهي تماماً الاحتباس الحراري الذي تنفق الأمم تريليونات من الدولارات لوقفه.
البراكين وانخفاض حرارة الأرض
يتفق العلماء على أن البركان يجب أن يكون قوياً وكبيراً ومنتجاً لكميات هائلة من الغازات حتى يؤثر في حرارة الأرض ككل، وإلا فإن آثاره محلية وقصيرة المدى.
بركان بيناتوبو كان من البراكين القوية التي غيرت المناخ في العالم ككل، فقد ضخ نحو 20 مليون طن من غاز أوكسيد الكبريت، الذي يتحول لاحقاً إلى حمض الكبريت، وهو مادة خطرة مكوَّنة من الكبريت والأوكسجين والهيدروجين.
إلا أن ضخ البراكين كميات هائلة من الغازات والمواد المختلفة يحجب أشعة الشمس، ويعكسها أحياناً، فيَنتج عن ذلك انخفاض درجة حرارة الأرض لشهور أو سنوات. ومن أهم ما يصدر عن البراكين، جزيئات الرماد والغبار التي تحجب الشمس في الأيام الأولى حتى تتساقط الجزيئات الكبيرة، ثم تنخفض كمية الحجب بعد هطول المطر الذي يجلب معه الجزيئات المتوسطة والصغيرة. ما يبقى في الجو هو جزيئات صغيرة جداً وخفيفة جداً تنقلها الرياح في شتى أنحاء الأرض، وتخفف من أشعة الشمس، وقد يستمر هذا لسنوات.
وتشير الدراسات إلى أن بقاء هذه الذرات الصغيرة في الجو يخفض درجة حرارة الأرض في حدود نصف درجة مئوية في المتوسط. كما تشير إلى أن بركان بيناتوبو خفَّض درجة حرارة الأرض لمدة ثلاث سنوات متتالية، إذ بلغ الانخفاض في أوجه 1.3 درجة مئوية. ويقدر العلماء أن بركان لاكي في أيسلندا الذي انفجر في عامي 1783 و1784 أصدر كميات أكبر بكثير من غاز أوكسيد الكبريت، مما فعل بركان بيناتوبو، ونتج عنه برودة الأرض في أوروبا وأميركا الشمالية لمدة وصلت إلى ثلاث سنوات.
وكما سلف، فإن الأثر الأكبر للبراكين في تخفيض حرارة الأرض يأتي من غاز أوكسيد الكبريت، وذلك لأنه يتحد مع الماء ويكون جزيئات تحجب الشمس. هذه الجزيئات تنتقل من مكان لآخر حسب اتجاه الرياح، وقد تبقى في الجو لنحو ثلاث سنوات إذ إنها تكبر تدريجاً حتى تصبح ثقيلة وتسقط.
البراكين وغاز ثاني أوكسيد الكربون
تصدر البراكين غاز ثاني أوكسيد الكربون، الذي يعتبره كثير من العلماء أنه أحد أهم الغازات المسببة للاحتباس الحراري. كما أن البراكين تطلق غازات أخرى التي تسهم أيضاً في الاحتباس الحراري. على الرغم من ذلك، يتفق العلماء حول أن البراكين لا تسهم في ارتفاع حرارة الأرض، إلا إذا كانت ضخمة جداً مثل التي كانت تحدث منذ آلاف السنين. وتشير البيانات إلى أن البراكين بكل أنواعها تصدر نحو 645 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، التي تُعتبر كميات بسيطة مقارنة بكميات الكربون التي تنتجها البشرية في السنة. إلا أن الفكرة هنا أن هناك عوامل طبيعية عدة تنتج غاز ثاني أوكسيد الكربون.
البراكين والتغير المناخي
وتشير إحدى الدراسات إلى أن الاحتباس الحراري يعني تمدد الهواء في الجو، ومن ثم فإن الانبعاثات من البراكين المتوسطة والصغيرة لن ترتفع ولن تبقى في الجو كثيراً لتقوم بتبريد الأرض. ومن ثم فإن الاحتباس الحراري سيستمر في الزيادة لعدم قدرة البراكين على تبريده.
إلا أن دراسة أخرى استنتجت أن أثر البراكين الكبيرة مثل هونغا تونغا أو أكبر، سيؤدي إلى تبريد كبير للأرض في حالة الاحتباس الحراري لأنه سيرفع الجزيئات المنبعثة إلى مستويات أعلى، وبالتالي تزيد قدرتها على حجب الشمس ويزيد التبريد بنحو 15 في المئة. هذا يعني أنه كلما زاد الاحتباس الحراري تزيد قدرة البراكين الكبيرة على تبريد الأرض.
خلاصة القول إن البراكين تسهم في تبريد الأرض، ولكن في مدة لا تزيد على ثلاث سنوات بالنسبة إلى البراكين الكبيرة، ثم تبدأ معدلات الحرارة بالارتفاع. هذا يعني أن العالم يحتاج إلى مزيد من البراكين الضخمة التي تتكرر باستمرار لوقف الاحتباس الحراري. السؤال: إذا قام العالم بتخفيض انبعاث الغازات بنسبة كبيرة، ثم حصل انفجار بركاني تاريخي، فهل تتجمد مناطق لم تتجمد من قبل؟
الآن لنعد إلى السؤال في العنوان: هل يضرب بركان هونغا تونغا، أو أي بركان آخر، سياسات الحياد الكربوني والسيارات الكهربائية؟ الجواب لا. تأثير البراكين مؤقت، وبرودة الأرض ستجعل الطريق أمام أنصار التغير المناخي أكثر صعوبة بسبب زيادة الشك في ما يقولونه، ولكن هذه الجهود لن تتوقف لأن لها أهدافاً سياسية واقتصادية غير مرتبطة بالتغير المناخي في كثير من الأحيان.