بقلم: د. فايز رشيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – أثارت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة جدلاً واسعاً في أوساط الأمريكيين، بين مؤيد للرئيس السابق، دونالد ترامب، وبين مؤيد للرئيس المنتخب الحالي جو بايدن، بشكل شرعي. فبعد مرور عام على الانتخابات ثار الجدل من جديد، وقد أكد الرئيس بايدن بالمناسبة أنه يرفض أن «يصبح العنف السياسي هو القاعدة» في الولايات المتحدة.
جاء ذلك في خطاب ألقاه يوم الخميس، السادس من يناير/ كانون الثاني الجاري بالمناسبة المذكورة، حين قام أنصار ترامب بالهجوم على مبنى الكابيتول، كما حذّر الرئيس الأمريكي من أنه «علينا أن نقرر اليوم أيّ أمة سنكون»، وتساءل قائلاً: هل سنكون أمة تقبل أن يصبح العنف السياسي هو القاعدة وتسمح لمسؤولين رسميين محازبين أن يطيحوا بالرغبة التي عّبر عنها الشعب بشكل قانوني؟ وهل سنكون أمة تعيش في ظل الكذب؟ مضيفاً أنه «لا يمكننا تحمل أن نصبح أمة من هذا النوع». وكان بذلك يشير إلى قيام آلاف من أنصار ترامب باقتحام الكابيتول في محاولة لمنع الكونجرس من المصادقة على انتخاب بايدن.
لقد أثار اقتحام الكابيتول من قبل مناصري ترامب صدمة في الولايات المتحدة والعالم، حين حضر المتظاهرون بالآلاف إلى المبنى، وهاجم بعضهم قوات الأمن التي كانت تتولى حمايته، وعاثوا خراباً في داخله.
من جانب آخر، عمد بايدن لفترة طويلة، إلى تجنب ذكر اسم الرئيس السابق علناً، لكنه في النهاية قرر التطرق بشكل علني إلى «المسؤولية الخاصة» له في ما حصل. وفي هذا يرى مراقبون عديدون، أمريكيون وأجانب، أن ترامب ألحق ضرراً كبيراً ب«الديمقراطية الأمريكية» خلال سنوات حكمه، إضافة إلى أنه يعتبر المسؤول عن الانقسام الحاصل في الأمة الأمريكية جراء محاولاته المحمومة لرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات، وانتصار خصمه.
فبعد أشهر من التركيز على السياسات الاقتصادية والاجتماعية يرى بايدن أن الكثير من آماله في الإصلاح تتلاشى بسبب العرقلة في الكونجرس، نتيجة تراكم عوامل عدة: مواجهة موجة جديدة من وباء «كوفيد 19»، وارتفاع التضخم، والانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وغيرها من العوامل.
لكن ما يثير قلقاً شديداً هو استطلاع للرأي نشر مؤخراً وأظهر أن 55% فقط من الأمريكيين يعتبرون أن جو بايدن هو الفائز الشرعي في الانتخابات الأخيرة، في حين ترى البقية أن الانتخابات «سُرقت» من ترامب، باعتباره الفائز الفعلي فيها.
على صعيد آخر، يواصل ترامب تصريحاته الهجومية، الأمر الذي يساهم في تعميق أزمة الديموقراطية في بلاده، إضافة إلى ادعائه أن الانتخابات الرئاسية شابتها عمليات «تزوير»، معتبراً أنها «جريمة القرن»، رغم أن بايدن تقدم عليه بأكثر من سبعة ملايين صوت.
وتتلخص استراتيجية الجمهوريين في البقاء بعيداً عن الأضواء، فيما قلة منهم يجرؤون على انتقاد ترامب بشكل علني. وكان زعيم المحافظين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، اعتبر في فبراير/ شباط الماضي، أن الرئيس السابق «مسؤول معنوياً» عن هجوم السادس من يناير/ كانون الثاني، لكنه لن يحضر المراسم المقررة في واشنطن لتنصيب بايدن رسمياً.
من جهة أخرى، كتب الرئيس الأسبق جيمي كارتر الذي بات يشكل للكثير من الأمريكيين سلطة معنوية، في مقالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»: أن أمتنا العظيمة باتت تترنح الآن على حافة هاوية تزداد عمقاً، ومن دون تحرك فوري، سنواجه أخطاراً جديّة بأن نشهد مواجهة مدنية بين الأمريكيين.. كما أن ديمقراطيتنا الثمينة ستكون مهددة أمام هذا الانقسام.
لذا، يريد بايدن اقتراح خطوات لتعزيز الديمقراطية من خلال محاولته إطلاق نصوص قوانين حول حق الأقليات بالتصويت. لكن في مواجهة ولايات محافظة في الجنوب والتي تكثف من القوانين التي تعقّد وصول الأمريكيين المتحدرين من أصول إفريقية إلى صناديق الاقتراع، فإن هامش مناورة بايدن يبدو محدوداً. فالديمقراطيون لا يسيطرون على الكونجرس إلا بأغلبية ضئيلة، وقد يخسرونها بالكامل في الانتخابات التشريعية في الخريف المقبل. لذا يبدو هامش مناورة الرئيس لإنقاذ «روح أمريكا» – وفقاً لتسميته – تبدو محدودة جداً.
من جانب آخر، تحدث ترامب عن المؤامرات التي تعرّض لها ولا يزال. في تأكيد جديد على ادّعاءاته بأن الرئاسة سُرقت منه، الأمر الذي يعزز تعميق الانقسام بين الأمريكيين، في ظل أنباء تتحدث عن عزمه خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، واحتمال فوزه فيها، الأمر الذي يعزز الانقسام الحاصل بين الأمريكيين.