الشرق اليوم- بعد قرار مجلس الشيوخ الأمريكي، يوم السبت الماضي، تبرئة الرئيس السابق، دونالد ترامب، من تهمة “الحض على التمرد” إثر أعمال العنف التي شهدها مقر “الكابيتول” في السادس من يناير/ كانون الثاني الماضي، علّق الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالقول إن “الديمقراطية هشّة، يجب الدفاع عنها دائماً، ويجب أن نكون على الدوام يقظين”.
هذا الكلام يطرح ألف علامة سؤال حول الديمقراطية الأمريكية، وهل هي فعلاً “ديمقراطية” تستجيب لمفاهيم الديمقراطية بأبسط معانيها “حكم الشعب”، وفقاً لأصلها اليوناني، والتي تقتضي تمكين المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي، والتداول السلمي للسلطة، من دون إكراه معنوي أو مادي؟
في الولايات المتحدة، هناك ديمقراطية لا تخضع لهذه المعايير، وشروطها لا توفر للمواطن الأمريكي حرية الاختيار، بل تخضع مجمل العملية الانتخابية، على مستوى الرئاسة ومجلسي الشيوخ والنواب والانتخابات المحلية، لتأثير المال واللوبيات. وخلافاً لم يعتقده الكثيرون، فإن الناخبين الأمريكيين لا يقومون بانتخاب رئيسهم مباشرة، بل يتم ذلك من خلال المجمع الانتخابي الذي يتكون من 538 مندوباً، وقد سبق لمرشحين رئاسيين أن خسروا الانتخابات رغم نيلهم أكثرية الأصوات الشعبية. وقد حدث ذلك مرتين خلال السنوات العشرين الماضية، وآخرها عام 2016 عندما فاز ترامب على هيلاري كلينتون بأصوات المجمع الانتخابي.
ثم إن المال السياسي يلعب دوراً أساسياً في ترجيح كفة مرشح على آخر، وفي هذا الخصوص، فإن مساهمات كبار الأثرياء والشركات التي تموّل الحملات الانتخابية تلعب الدور الحاسم في تحديد الفائزين، وبالتالي تحديد السياسات العامة، الداخلية والخارجية. ووفقاً لمسؤول في “مركز برينان للعدالة” (معهد للدراسات السياسية في نيويورك): “نحن نعتقد أن ديمقراطيتنا تقوم على أساس شخص واحد، ناخب واحد، ولكن الأثرياء القادرون على تقديم تبرعات انتخابية بملايين الدولارات إنما يلعبون دوراً في انتخابات المسؤولين، أكبر بكثير من دور الناخبين العاديين”. أي يمكن القول إن من لا يملك المال الكافي لا يستطيع اختراق الجدار السياسي المصفح الذي يحكم النظام السياسي الأمريكي.
ثم، هناك دور اللوبيات ومجموعات الضغط القادرة على التأثير المباشر في نتيجة أي انتخابات، وعلى أي مستوى، نظراً لدورها على الساحة السياسية، فهي قادرة على اختيار الشخص الذي يلبّي مصالحها السياسية والاقتصادية، وعلاقاتها الخارجية. وقد وضع البروفيسور جيفري إم بيري، الأكاديمي البارز في جامعة تافت، كتاباً مهماً بعنوان “مجتمع لوبيات المصالح” عدّد فيه 600 لوبي مصالح ينشط في العاصمة واشنطن وحدها، أما العدد الإجمالي للوبيات فيبلغ نحو العشرين ألفاً، ومن أبرزها اللوبي اليهودي، ولوبيات النفط والسلاح والدواء والتبغ، وهذه اللوبيات تنفق مليارات الدولارات خلال الانتخابات لمصلحة مرشحين محدّدين.
الفيلسوفة الأمريكية، سوزان نايمان، ترى أن “الديمقراطية في خطر” وتتساءل: “ماذا بوسعنا أن نفعل ضد هذا النظام الانتخابي غير الديمقراطي؟”.
افتتاحية صحيفة الخليج