بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – أخفقت جولتا الحوار الروسي الأمريكي، والروسي «الأطلسي» مع حلف «الناتو»، اللتان عقدتا في جنيف وبروكسل، على التوالي، مؤخراً، وبعدهما المشاورات التي أجرتها الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في التوصل إلى اتفاق حول المطالب الروسية بشأن الأزمة الأوكرانية وعدم توسع «الناتو» شرقاً والضمانات الأمنية لموسكو، مقابل نزع فتيل التوتر والبحث عن حلول دبلوماسية لكل الأزمات العالقة بين روسيا والغرب.
في كل هذه الجولات من الحوار، حضرت الأدوات المستخدمة أثناء المحادثات وبعدها كما هي العادة، بدءاً من الدبلوماسية وإبداء الليونة إلى التصعيد والتراشق الكلامي والتهديدات المتبادلة والتلويح بالعقوبات الرادعة الأشد قسوة و«كارثية».. إلخ، باستثناء الحديث عن الخيار العسكري، بالطبع، فيما كان الغائب الأكبر عن هذه المحادثات «الثقة» التي ظلت معدومة بين الأطراف مجتمعة. وبالتالي فقد فشل الحوار لأن أحداً لم يكن يصدق الآخر، والكل يشكك مسبقاً في نوايا الكل، وليس لعدم القدرة على خلق أرضَيات مشتركة للحوار، بدليل أن روسيا والتحالف الغربي لا يزالان يطالبان باستئناف الحوار.
ولا يجب أن ينتظر أحد موافقة «الناتو» علناً على المطالب الروسية بعدم التوسع في أوروبا الشرقية، أو التعهد بعدم ضم أوكرانيا إلى الحلف، على سبيل المثال، كما أن المكانة العالمية لواشنطن، وتربعها على عرش قيادة الساحة الدولية، لا تسمح لها بالموافقة على المطالب والضمانات الأمنية الروسية على الملأ، فمثل هذه النقاشات تدار وراء الكواليس، وحصيلتها تبقى وراء الكواليس. وبالتالي فإن الموقف الأمريكي الداعم للاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، بشكل خاص، يشكل عامل ضغط على موسكو مقابل الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، ويدفع الأوروبيين إلى التشدد أكثر والتمسك بتوحيد مواقفهم تجاه روسيا، والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية «كارثية»، مسبقاً على روسيا من أجل ردعها كما قيل، وربما يكون للأوروبيين الحق في هذا التشدد لأن النظام الأمني الأوروبي هو الأكثر عرضة للتهديد، لكن المفارقة المدهشة في كل هذا التراشق والجدل، هو أن أوكرانيا ذاتها المعرضة بشكل مباشر للاجتياح الروسي، بدت وكأنها الطرف الأكثر تعقلاً، في خضم هذا الصراع، لأنها تدرك فعلاً أنها ستكون ضحيته الحقيقية، في حال اندلاع الحرب، كما تدرك أنها ستظل الجارة الجنوبية الأبدية لروسيا، حتى من دون حرب، وأن أجزاء واسعة منها موالية لروسيا وتتحدث الروسية، وبالتالي لم تتردد كييف في الدعوة لإيجاد تسوية سلمية لأزمتها مع موسكو؛ بل إن الرئيس الأوكراني زيلينسكي هو من اقترح عقد قمة ثلاثية تجمعه مع الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين.
وتدرك أوكرانيا، في نهاية المطاف، أن الغرب لن يحارب نيابة عنها، حتى وإن قدم لها المساعدات والأسلحة والتقنيات المتطورة، وأن الخيار العسكري بين روسيا والغرب غير مطروح وغير وارد أصلاً، وأن العقوبات الاقتصادية، مهما كانت قاسية أو كارثية، لن تردع روسيا عن القيام بعمل عسكري، كما أن موسكو تفضل، بدورها، تأمين مصالحها وضماناتها الأمنية عبر الحوار وليس الحرب.