بقلم: فيصل عابدون – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- تستحق تجربة الانتقال الديمقراطي في العراق الإشادة بمنجزاتها المتحققة، كما تستحق الدعم غير المشروط بأمل اكتمال عملية التحول حتى تصبح نموذجاً يحتذى في منطقة تعاني فيها تجارب الانتقال الديمقراطي عقبات كؤود تجعلها في أغلب الأحيان في حالة من الشلل وفقدان الفاعلية، وهي تدور حول نفسها، وتعيد إنتاج مشكلاتها وخلافاتها، وإهدار كل الفرص المتاحة للتقدم إلى الأمام.
لقد شهد العراق تحولات هائلة، وتمكن العراقيون خلال سنوات قليلة من تجاوز تراث الاستبداد والفوضى الدموية الناجمة عن تداعيات الغزو الأمريكي لبلادهم، والإفلات من قبضة الإرهاب الوحشي الذي هدد حياتهم، ومستقبل أبنائهم. وقدم العراق في سبيل الوصول إلى هذه المرحلة الراهنة من الاستقرار والأمان النسبي أثماناً باهظة من دماء وأرواح أبنائه.
لكن الطريق لا يزال طويلاً لاستعادة كامل الفاعلية، وتشغيل الطاقة العراقية بقوتها الكامنة. وفي هذا الخصوص، فإن نجاح التجربة الديمقراطية يمثل حجر الزاوية في تطور التجربة العراقية إلى نهاياتها المنتظرة. وقد تحدّث كثير من المفكرين والزعماء وفقهاء السياسة عن أخطاء كبيرة رافقت التجربة، وأبدى بعضهم تفاؤلاً في المستقبل المنظور، وبعضهم الآخر لا يزال واقعاً تحت إغواء التشاؤم المثالي والسهل.
وبالطبع، هناك عيوب لا تخطئها العين في الهياكل الحزبية والسياسات وفي المواقف، وهي عيوب لا تخلو منها المؤسسات السياسية في أية دولة من دول العالم، ولكن بالنظر إلى حجم المشكلات والتعقيدات التي تعانيها تجربة التحول الديمقراطي في العراق، فإن هذه المشكلات المستعصية تشكل، في جانب كبير من جوانبها، مظهراً لأزمة عدم القدرة على إدارة التباين الطائفي والإثني. وهي أزمة تعانيها العديد من المجتمعات في الدول النامية، لكنها في العراق باتت تتعلق بشكل مباشر بقضية السلطة والحكم.
ومما لا شك فيه أن مجتمعاتنا تحتاج إلى الديمقراطية وتداول السلطة بالقدر نفسه الذي تحتاج فيه إلى تكريس الاستقرار، والى التنمية المستدامة والتطور والازدهار، وقد قطع العراقيون شوطاً مهماً في قضيتي التطبيع الديمقراطي والاستقرار. وهم يملكون الوسائل التي تمكنهم من المضي قدماً في تجاوز العقبات الكبيرة التي تعترض مسيرتهم عبر تمكين ثقافة التوافق والمصالحة الوطنية الشاملة.
وفي خضم الجدل الدائر حول تشكيل الحكومة الجديدة، يتجه زعيم التيار الصدري إلى تفضيل خيار حكومة الأغلبية، بديلاً لحكومة الكتلة الكبرى التي تطرحها أطراف أخرى. وهو يعتبر أن حكومة الأغلبية هي التعبير السياسي الأمثل للتوافق بين المكونات الطائفية والإثنية في العراق، والقادرة على إحباط مفاعيل الاقتتال والعنف وتكريس سيادة القانون ومكافحة الفساد الحكومي والإداري.
وقد يرى البعض أن التعويل على إمكانات هذا الخيار في معالجة المشكلات الراهنة والموروثة وتحقيق التنمية والازدهار، نوع من المثالية المفارقة لواقع السياسة في العراق، إلا أنه يبقى خياراً من صلب العملية الديمقراطية، وليس خارجاً عنها، وتبقى احتمالات نجاحه أو فشله في تحقيق أهداف وتطلعات الشعب والنخب السياسية، رهناً بالاعتراف بأحقيّته، وإفساح المجال أمامه ومنحه الفرصة الكاملة لتطبيق تجربته على أرض الواقع.