بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – تواجه أوروبا احتمالات الحرب كما لم تواجهها منذ أكثر من 30 عاماً. وتشكل أوكرانيا التحدي الأبرز في العلاقات الروسية – الغربية. فهي قد تكون منطلقاً لحرب لا يمكن التنبؤ بحجمها ومداها، ومَن مِن الأطراف سيتورط فيها ولا بالوضعية التي ستستقر عليها في نهاية المطاف. في حين أن التوافق حول أوكرانيا، قد يفتح الباب واسعاً أمام مرحلة من التطبيع في العلاقات بين روسيا وأميركا بداية … ومن ثم بين موسكو والدول الأوروبية.
وفي موازاة الأسبوع الدبلوماسي بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا من جهة ثانية، كان وزراء الدفاع للاتحاد الأوروبي يجتمعون للبحث في تطورات الأزمة الأوكرانية. هذا الاجتماع كان يفترض أن يناقش فكرة القوة الأوروبية المستقلة عن حلف شمال الأطلسي، والتي كثر الحديث عنها عقب الإنسحاب الأميركي من أفغانستان في آب (أغسطس) الماضي.
لكن في ضوء التطورات المتسارعة في أوكرانيا، لن تجد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أن الوقت مناسب للحديث عن استقلالية دفاعية عن أميركا، في وقت تحشد روسيا مئة ألف جندي على الحدود الأوكرانية، وعاد حلف شمال الأطلسي، الذي خبا نجمه بعد الهزيمة في أفغانستان، ليتألق مجدداً في ذروة الأزمة الأوكرانية.
ولعل أكثر ما يضايق الدول الأوروبية هو التهميش الذي تقابلها به روسيا، وتركيزها على الحوار مع أميركا أولاً في شأن أوروبي في الصميم. وبرز هنا الغياب المدوي للمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل التي كانت تبادر إلى الاضطلاع بدور أوروبي متوازن إلى حد بعيد مع الدور الأميركي. أما في الأزمة الحالية، فلا يبدو أن المستشار الجديد أولاف شولتس قادر على ملء الفراغ، بينما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشغول بالانتخابات الرئاسية، التي يطمح فيها إلى إعادة انتخابه لولاية ثانية.
وتجد أوروبا نفسها مثقلة بالأزمة الأوكرانية وبالوباء الذي يهدد متحوره الجديد، أوميكرون، في إصابة نصف سكانها، مع ما يترتب على ذلك من أعباء اقتصادية، وهي القارة التي كانت لم تتعافَ بعد من آثار الفيروس الأصلي.
والأزمتان لا تترك لأوروبا ترف الوقت للدخول في نقاش معمق حول أفضل الوسائل التي تمكن دولها يوماً ما من أن تدافع عن نفسها بإستقلالية عن أميركا، أو أن تتخذ قرارات بتدخل عسكري في بلدٍ من البلدان بمعزل عن الولايات المتحدة، التي قد لا تتواءم بعض السياسات الدفاعية لدول أوروبا مع مصالحها الخاصة. وأسطع دليل على ذلك، كيف وقفت واشنطن مكتوفة بينما مضى سبعة أعوام على التورط الفرنسي في مالي.
وبينما تبرز أميركا والأطلسي اليوم كمدافعين أساسيين عن أوكرانيا في مواجهة روسيا، كان من البديهي أن يتراجع الحديث عن الاستقلالية الدفاعية وأن تسخّر كل الإمكانات اليوم لأكبر مواجهة يخوضها الغرب مع روسيا منذ انتهاء الحرب الباردة قبل 30 عاماً.
ويمكن القول إن الولايات المتحدة قد استعادت الدور القيادي في أوروبا، من طريق الأزمة الأوكرانية، ويأتي دور حلف شمال الأطلسي مكملاً للدور الأميركي، كون الولايات المتحدة هي التي تقود الحلف لأنها تشكل أكبر قوة فيه.
ومع ذلك، لا بد من أن الأزمة نفسها ستدفع بالدول الأوروبية المؤيدة للاستقلالية الدفاعية، إلى البحث بهدوء عن الوسائل التي تمكن هذه الدول أن تكون لها الكلمة العليا في أزمات مماثلة. وهذا لن يتوافر إذا لم تحدث أوروبا تغييراً في سياساتها وتولي الأمور الدفاعية نسبة أكبر من موازناتها. وحتى الحرب العالمية الثانية، كانت الدول الأوروبية تتكلف على الإنفاق العسكري أكثر بكثير مما تتكلفه أميركا، لتنقلب الآية بعد الحرب. فهل الأوروبيون مستعدون للمضي في هذا الخيار؟ ليس مؤكداً بعد.