بقلم: إسماعيل الشريف – صحيفة “الدستور”
الشرق اليوم – «قوام الحرب ثلاث: المال والمال والمال» نابليون بونابرت.
أقر الكونجرس الأمريكي الميزانية العسكرية الأمريكية لعام 2022 بقيمة 770 مليار دولار، وهي أكثر من نصف الميزانية الفدرالية، وكان النواب أكثر سخاءً من الرئيس بايدن، فقد رفعوها 25 مليارًا زيادة عن الميزانية الأصلية المقدمة لهم، وحول هذه الميزانية دارت في أروقة الكونجرس قضايا سطحية؛ مثل فرض قانون لمعاقبة العسكريين الذين يرفضون التطعيم، أو إلزامية الشابات لمن بلغن الثامنة عشرة بإلزامية التسجيل في الخدمات العسكرية، أو إلغاء تفويض استخدام القوة ضد العراق الممنوح عام 2002.
برأيي كل هذه المناقشات لا قيمة لها أمام السؤال الأهم: لماذا هذا الارتفاع الكبير في الميزانية الحربية مقارنةً بعام 2021، والتي بلغت 725 مليار دولار؟ وخلف هذا السؤال العريض تبرز ثلاثة أسئلة:
1- لماذا ارتفعت الميزانية بعد إنهاء الحرب في أفغانستان وانسحاب القوات الأمريكية منها عام 2021؟ حيث بلغت التكاليف السنوية المعلنة حوالي 45 مليار دولار، وتجاوزت كلفة هذه الحرب في عقدين 2.3 ترليون دولار؛ فالمنطق يقضي أن تنخفض ميزانية 2021 بالخمسة وأربعين مليارًا كلفة حرب أفغانستان السنوية، أو في أقل تقدير معظم المبلغ.
2- بلغت الحرب الكارثية على الإرهاب حوالي 8 تريليون دولار، ألم تقضي الولايات المتحدة على القاعدة ثم ضعّفت بشكل كبير داعش، ومنذ سنوات لم نرَ عمليات إرهابية كبيرة؟! وألم يُعلن أوباما -من فوق منبر جامعة القاهرة عام 2009- فتح صفحة جديدة مع المسلمين؟!
3- ثم لماذا يسعى الأمريكان إلى رصد 1.7 ترليون دولار على مدى الثلاثين عامًا المقبلة، في تحديث منظومته النووية التي تستطيع حاليًا تدمير العالم مرات ومرات بحجة سعي الصين وروسيا بتطوير أنظمتهم النووية، أو إلى وجود أساطيلها في بحر الصين، أو تمركز صواريخها على الحدود الروسية، أو الخمس وسبعين قاعدة حربية المنتشرة في العالم، أو زيادة ميزانية قوات التدخل السريع؟
هذه الزيادة بالتأكيد مردها إلى أن حروب الأنكل سام لن تتوقف – ومتى توقفت؟! – فهذه الإمبريالية شأنها شأن الإمبرياليات عبر التاريخ غذاؤها الحروب ووقودها الأبرياء، ثم إن حروبها من شأنها تحقيق رفاهية شعوبها على حساب جماجم وخيرات الشعوب الأخرى، وعلينا ألا ننسى أن الدولة العميقة هي التي تحكم الولايات المتحدة، وعلى رأسها المجمع الصناعي الحربي الأمريكي، المكون من مصانع أسلحة وإعلام ومؤسسات دراسات وأبحاث ومرتزقة ومتعهدين وغيرهم، وهذا المجمع يحتاج إلى مليارات الدولارات ليبقى.
لذلك لابد من وجود عدو يغذي هذه الماكنة الضخمة، بدأ بالاتحاد السوفييتي، وعندما انهار تم استبداله بالإسلام، وهذه الحقبة قد انتهت أيضًا، فقد سن الكونجرس الأمريكي قانونًا لمحاربة ما يعرف برهاب الإسلام – الإسلاموفوبيا – بعد أن حشدوا الرأي العام ضده، بل ويريدونه حليفًا جديدًا في محاربة إيران والصين وروسيا، فهؤلاء هم الأعداء الجدد، وهذا قد يجيب عن السؤال: لماذا ارتفعت الميزانية العسكرية الأمريكية؟