بقلم: حافظ البرغوثي – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – نفط وغاز وفحم ويورانيوم ومساحة شاسعة تقارب مساحة أوروبا الغربية، وسهول شمالية منتجة للحبوب، وموقع استراتيجي هو الأقصر بالنسبة للصين للوصول إلى أوروبا، ومئات المليارات استثمرتها الشركات الأجنبية، وثاني أكبر موقع لتعدين العملات المشفرة بعد الولايات المتحدة، وعدد سكان لا يتجاوز 19 مليون نسمة.
هذه باختصار حالة كازاخستان التي انفجرت على شكل تظاهرات عنيفة استهدفت نظام قاسم توكاييف. وقد احتار المحللون في سبب انفجار الوضع في ذلك البلد الغني الذي قاده نور سلطان نزارباييف على مدى ثلاثة عقود ثم ترك الحكم للدبلوماسي السابق توكاييف، وانسحب مكتفياً برئاسة مجلس الأمن القومي ممسكاً بمفاتيح الأمن، بمعنى أنه ظل الشخصية الأكثر تأثيراً في البلاد رغم استقالته من الرئاسة. ففي بعض جوانب الصراع الحالي نرى ملامح صراع سياسي ذي طابع قبلي وطبقي معاً؛ لأن المجتمع الكازاخستاني حديث العهد بالدولة وأول دولة كازاخستانية نشأت في ثلاثينات القرن الماضي، بل إن الروس يطالبون بشمالها؛ لأنه عندما انضمت كازاخستان إلى الاتحاد السوفييتي منحت وفقاً للتنظيم الإداري منطقة شاسعة في شمالها لإنتاج الحبوب، مثلما منحت منطقة دومباس إلى أوكرانيا، وفجرت الأزمة الأوكرانية حالياً. بالطبع لا يمكن استبعاد وجود أصابع أجنبية في أحداث كازاخستان، لكن منحى الأحداث قد يضيف عقدة جديدة في التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بل ربما أشد وطأة.
فالمصالح الاقتصادية الروسية في كازاخستان كبيرة جداً، وهي تستورد الغاز منها واليورانيوم والحبوب، وهناك أكثر من ثلاثة ملايين من أصول روسية في كازاخستان. وكان الرئيس السابق نزاربايانيف حاول إيجاد علاقات متوازنة بين روسيا والغرب؛ لكسب استثمارات أجنبية في بلاده، ما أثار حنق روسيا، وجعل الغرب يغض الطرف عن الوضع الذي ميز الطبقة السياسية الحاكمة، فرغم وفرة الموارد المتنوعة إلا أن الفوارق الطبقية خلقت طبقة فقيرة خاصة في الريف. وفوجئ العامة برفع أسعار الغاز المسال في مطلع العام، وهرعت التيارات المتصارعة في الحياة السياسية لاستثمارها في الصراع، وصدحت السيمفونية الغربية الأمريكية بمعزوفة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تجاهلتها في السابق إرضاء لمصالح الشركات العاملة هناك، فليس هناك ما هو مجاني في المواقف السياسية.
من جانبه، سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يخشى تكرار سيناريو أوكرانيا وإسقاط نظام حليف واستبداله بنظام مؤيد للغرب إلى تلبية طلب الرئيس توكاييف لتفعيل معاهدة الأمن الجماعي لدول الاتحاد السوفييتي السابق، التي تضم دول آسيا الوسطى، وهي دول خرجت من تحت العباءة الشيوعية، وظلت على علاقة متينة مع روسيا، بعكس دول أوروبا الشرقية التي انتهجت خطاً آخر، وابتعدت عن روسيا.
فالخشية الروسية من الاضطرابات في كازاخستان تكمن في احتمال انتشارها في الدول الحليفة في منظمة الأمن الجماعي، ما يعني حصار روسيا والصين معاً.
وكانت القبائل الكازاخية يقاتل بعضها بعضاً بشراسة أكبر من قتالها مع أي عدو خارجي عبر التاريخ، ولم تنتظم في دول إلا عند انضمامها للاتحاد السوفييتي.
لم يكن أمام روسيا في الواقع إلا أن تتدخل عسكرياً لإنقاذ النظام القائم في كازاخستان، خشية تكرار ما حدث في أوكرانيا، وبذلك تفقد موسكو حديقتها الخلفية في آسيا الوسطى، أي حزامها الأمني الذي يمتد لأكثر من 7 آلاف كيلومتر.