الرئيسية / مقالات رأي / أوروبا في السجال الأمريكي – الروسي

أوروبا في السجال الأمريكي – الروسي

بقلم: باسكال بونيفاس- صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- افتُتحت مفاوضات مباشرة بين الروس والأمريكيين يوم الاثنين 10 يناير 2022 في جنيف، وذلك بهدف وضع حد لتوترات قوية منذ عدة أسابيع على الحدود الأوكرانية حيث حشدت روسيا أكثر من 100 ألف جندي. هذا الوضع يثير الخوف من غزو روسي لجزء من أوكرانيا. ولكن هل هناك حقاً خطر اندلاع حرب؟ الواقع أنه بإمكان المرء أن يشك في ذلك. ذلك أن هدف فلاديمير بوتين في الحقيقة هو رفع الرهان، ومن المستبعد أنه يريد غزو “دونباس”، وهي منطقة من أوكرانيا محاذية لروسيا يمكن أن تشكّل نوعاً من المستنقع الاستراتيجي، ولم تعد تمثّل مصلحةً كبيرةً من الناحية الاقتصادية.

بوتين نجح في أن يصبح من جديد مُحاوراً لا مفر منه لبايدن، وهو أمر لم يكن متوقعاً نسبياً، بالنظر للفرق في الوزن الاستراتيجي والاقتصادي والعسكري بين روسيا والولايات المتحدة. وهكذا، نكون قد عدنا إلى العالم ثنائي القطبية، حيث كانت القضايا الأوروبية تناقَش بشكل مباشر بين موسكو وواشنطن. في اجتماع جنيف، تحدثت روسيا والولايات المتحدة حول أوروبا من دون أن يكون الأوروبيون حاضرين. فهم ليسوا ضمن الجالسين إلى طاولة المفاوضات، وإنما ضمن جدول أعمالها.

ما الذي سيكسبه الروس والأمريكيون من التصرف على هذا النحو؟ بالنسبة للروس، إنه الاعتراف بمكانة ليست لديهم. فبوتين قد يبدو عملاقاً جيوسياسياً، وهو وضع لا يملك إمكانياته تماماً، ولكنه يحتفظ دائماً بطموح إليه. والآن بات يُنظر إليه على أنه كذلك. وبالطبع، فإنه لن يحصل على ما يطالب به. إذ لن يكون هناك تعهد رسمي من جانب الولايات المتحدة بعدم قبول أوكرانيا ضمن حلف “الناتو”، ولن يكن هناك أيضاً تعهد رسمي بسحب القوات الأمريكية من أوروبا الشرقية. ولكن على أي حال، سيكون بوتين قد حصل على حقيقة التواجد في قلب التطورات الاستراتيجية.

ما هي المكاسب بالنسبة للجانب الأمريكي؟ بايدن يبدو من جديد قائداً للعالم الغربي، والولايات المتحدة تسعى لرصّ الصفوف. صحيح أن الأوروبيين مستاؤون ومتذمرون، ولكن يبدو أنهم قبلوا بالوضع في نهاية المطاف. وبعد كارثة الانسحاب الفوضوي من كابول التي أضرت بالسمعة الأميركية، ها هي الولايات المتحدة تفرض نفسها باعتبارها المحاور الوحيد القادر على معارضة روسيا ومواجهتها، وبالتالي حماية البلدان الأوروبية من التهديد العسكري الذي تطرحه لها، حسبهم. وهكذا، يكون كل واحد قد كسب شيئاً ما.

أما الخاسرون، فهم أولئك الذين ليسوا موجودين. الأوروبيون يشتكون من عدم المشاركة، ولكنهم كانوا قد رفضوا مقترح ألمانياً وفرنسياً بعقد قمة مع الروس. ذلك أنهم لم يريدوا إعطاء بوتين هذا النصر، ولكن بوتين أحرز في نهاية المطاف نصراً أهم من خلال التفاوض بشكل مباشر مع الولايات المتحدة اليوم. وأوكرانيا تُعد خاسرة أيضاً ما دام أن الحديث يدور عنها من دون أن تكون حاضرة.

الألمان والفرنسيون لم يتم اتباعهم إذن. ولكن ربما كان ينبغي عليهم ألا يتوقفوا عند ذاك الحد وأن يمضوا قدماً في محادثاتهم مع الروس. فاليوم، انتقلنا من اتفاقات مينسك التي حضرها الأوكرانيون والروس تحت رعاية فرنسا وألمانيا، اتفاقات سمحت بوضع حد لأسوأ المعارك وتجميد النزاع بين روسيا وأوكرانيا مؤقتاً، إلى الوضع الحالي حيث تم تهميش فرنسا وألمانيا. وفي نهاية المطاف، لم تنفَّذ اتفاقات مينسك بشكل كامل، بسبب روسيا بالطبع، ولكن أيضاً بسبب أوكرانيا التي ربما لم يمارَس عليها ما يكفي من الضغط.

وهكذا، نلاحظ أن بوتين لم يعد يعتبر الأوروبيين محاورين جادين، بل يخاطب الولايات المتحدة بشكل مباشر متخطياً الأوروبيين.

وبالتالي، فربما ينبغي لأوروبا أن تفرض نفسها أكثر إن هي كانت ترغب في أن تكون وازنة ومهمة من جديد. وفي حال تباطأت بعض البلدان الأوروبية وتلكأت، فربما ينبغي لها أن تتقدم وتتابع الأمر بدونها.

والواقع أن فرنسا وألمانيا تعانيان أيضاً لأنه لا يتم تمييزهما بشكل كاف عن الولايات المتحدة في القضية، ولأنهما تنحازان إلى امتناع البلدان الأوروبية وواشنطن في نهاية المطاف. ولا شك أن إخفاق الانسحاب الأمريكي في كابول الصيف الماضي، ولكن أيضاً التهديد المتمثل في عودة رئيس مثل ترامب إلى البيت الأبيض، يمثّلان دليلاً على أنه من الضروري حقاً الاشتغال على الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي للدفاع عن المصالح الأوروبية. بعض البلدان الأوروبية ستكون مستعدة لذلك، وبلدان أخرى لا. ولكن ينبغي العمل مع أولئك المستعدين حتى لا يصبح الأوروبيون شهوداً سلبيين على تاريخهم، مثلما هو حالهم اليوم مع اجتماع جنيف.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …