الشرق اليوم- لم يكن أمام روسيا من خيار إلا التدخل العسكري في كازاخستان بعدما أدركت أن ما يجري فيها لم يكن مجرد تظاهرات عادية احتجاجاً على رفع أسعار الغاز المسال، لأن مسار الأحداث منذ الثاني من يناير(كانون الثاني) وما بعده يشير إلى أن القضية أبعد مما أثاره المتظاهرون بكثير، وأن مسألة رفع أسعار الغاز كانت “شماعة” لأهداف أخرى أكبر وأكثر خطراً، خصوصاً أن التظاهرات تحولت إلى أعمال عنف واسعة شملت معظم أنحاء البلاد، شارك فيها آلاف المسلحين الذين استولوا على مؤسسات رسمية ووزارات ومطارات وأحرقوا أبنية ونهبوا محال تجارية، وهاجموا مراكز قوات الأمن، ما يعني أن هناك خطة مبيتة كانت تستهدف تقويض أركان الدولة والقضاء على النظام القائم.
أمام هذا الواقع، سارعت روسيا وبشكل عاجل إلى إرسال قواتها إلى كازاخستان نزولاً عند طلب السلطات الشرعية ممثلة في الرئيس قاسم توكاييف تنفيذاً لاتفاقية منظمة الأمن الجماعي، بهدف حماية كازاخستان وعدم انزلاقها إلى مربع الفوضى، وسقوطها في قبضة القوى المعادية. ذلك أن كازاخستان تمثل بالنسبة لروسيا حجر الرحى في آسيا الوسطى، باعتبارها الحديقة الخلفية لها، مع حدود مشتركة تمتد لأكثر من سبعة آلاف كيلومتر، إضافة لما تمثله من عمق أمني استراتيجي لا يمكن التهاون أو التفريط فيه.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوضح لماذا تدخلت بلاده في كازاخستان بالإشارة ضمناً إلى الدول الغربية عن وجود “قوى داخلية وخارجية مدمرة” استغلت التظاهرات، وأن الأحداث في كازاخستان “ليست الأولى ولا الأخيرة في ظل محاولة التدخل الخارجي في المنطقة”، ذلك أن السماح بسقوط كازاخستان على غرار ما حدث في أوكرانيا يعني أن أحجار الدومينو المحيطة بروسيا سوف تتساقط تباعاً، في قرغيزستان وطاجيكستان وأوزباكستان وتركمانستان، وهي دول كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي قبيل انهياره عام 2091، ما يعني إحكام الطوق تماماً على روسيا بما يسهل التلاعب في داخلها.
إضافة إلى البعد الأمني الاستراتيجي، فإن لروسيا قاعدة بايكونور الفضائية، التي تبلغ مساحتها نحو 111 كم مربع، وقد استأجرتها مقابل سبعة مليارات روبل سنوياً حتى عام 2050، إضافة إلى حماية مصالح روسيا في تأمين خطوط النفط والغاز، وهناك زهاء أربعة ملايين كازاخستاني من أصول روسية، من أصل حوالى 19 مليون نسمة، وفي حالة الفوضى قد يتحول هؤلاء إلى ضحايا أعمال عرقية من جانب المتطرفين. بالإضافة إلى ذلك، يمر أقصر طريق بري من الصين إلى أوروبا عبر كازاخستان، والتي تكتسب أهمية استراتيجية في حال حدوث حصار بحري للصين من جانب الولايات المتحدة، أي أن واشنطن يمكن أن تضرب عصفورين بحجر واحد: تطويق روسيا واستكمال محاصرة الصين، لذلك فإن روسيا تحركت سريعاً حماية لمصالحها ومصالح الصين أيضاً، انطلاقاً من اتفاق مشترك بين البلدين على حماية أمن بعضها.
التدخل الروسي لن يطول وسوف يكون مؤقتاً بعد استقرار الوضع الأمني وعودة الأوضاع إلى طبيعتها، بما يطمئن موسكو تماماً بأنها أصبحت في مأمن.
المصدر: صحيفة الخليج