بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – صحيح أن اهتزاز كازاخستان يلقي بتأثيراته على روسيا إلى حد كبير وينظر إلى أي تغيير جيوسياسي في هذا البلد، على أنه سينعكس على موسكو وعلى محاولات استعادة “نفوذ الإمبراطورية”.
لكن تأثيرات التطورات الكازاخية، من شأنها أيضاً ترك انعكاسات سياسية واقتصادية لا تقل خطورة أيضاً، على الجارة الصين أيضاً.
توظف بكين استثمارات كبيرة في كازاخستان التي هي جزء من مبادرة “الحزام والطريق”، وهي بوابة رئيسية لطريق الحرير إلى آسيا الوسطى، المنطقة التي تتنافس فيها الصين وروسيا وتركيا وإيران على كسب النفوذ وتأسيس مواطئ قدم، خصوصاً بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان العام الماضي.
ومن المهم للصين أن لا تنشأ على حدودها دولة أخرى (غير أفغانستان) تسودها القلاقل والاضطرابات، ولا يعرف من سيحكمها وفي أي اتجاه ستسير. من هنا نفهم كيف سارع الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى إصدار بيان يؤكد فيه “أن الصين راغبة في توفير الدعم الضروري لكازاخستان لمساعدتها على تجاوز المصاعب. وبصرف النظر عن المخاطر والتحديات التي تواجهها، فإن الصين هي صديق موثوق به لكازاخستان وشريك يعتد به”.
وأن يسارع الرئيس الصيني نفسه إلى التعليق على حدث معين وأن لا يترك ذلك للناطق باسم وزارة الخارجية كما درجت العادة، فإنما يدل ذلك على الأهمية التي توليها بكين للشأن الكازاخي.
وربما يخطئ البعض في الاعتقاد أن كازاخستان كانت دولة منغلقة أو معزولة. بل إنها على رغم قربها الاستراتيجي من روسيا بحكم أنها كانت جمهورية سوفياتية سابقة فضلاً عن تشكيل الروس نسبة 20 في المئة من السكان، فإن كازاخستان كانت تحاول إقامة علاقات مع الغرب، وشركات النفط الأميركية موجودة في البلاد مثلما توجد شركات روسية وصينية وأوروبية.
وكان الملاحظ أيضاً أنه في مقابل تأييد بكين خطوة منظمة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، إرسال قوات إلى كازاخستان، فإن الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، ذكّر أيضاً بأن كازاخستان هي عضو أيضاً في منظمة شنغهاي للتعاون، وأن هذه المنظمة يمكنها أن تلعب دوراً فاعلاً في حل الأزمة. ومعلوم أن هذه المنظمة تضم الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى وانضمت إليها إيران أخيراً، وكان ينظر إليها في الغرب وكأن الهدف منها تشكيل معادل لحلف شمال الأطلسي.
وليس خافياً أن اقتراح الصين دوراً لمنظمة شنغهاي، يدل على رغبة بكين في عدم تفرد روسيا بالساحة الكازاخية، من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وكأن الصين لم تتأخر في مسعاها إلى إيجاد توازن مع الدور الروسي.
وعلى رغم ما يضمره الموقف الصيني من وضعية تنافسية مع روسيا، فإن بكين وموسكو محكومتان بالتعاون لإرساء الاستقرار في كازاخستان وفي مجمل دول آسيا الوسطى، ودعم الأنظمة القائمة في مواجهة الحركات الأصولية التي قد تجد في تردي الأوضاع الاقتصادية بيئة مثالية للتمدد في أوساط الشباب وزعزعة الاستقرار وتنفيذ أجنداتها. وليس من مصلحة روسيا أو الصين أن يتغلغل الفكر الأصولي في المنطقة، لا سيما بعد عودة “طالبان” إلى الحكم في أفغانستان. وقد اشترطت موسكو وبكين على “طالبان” للمضي في تحسين العلاقات معها، أن لا تدعم الحركة تمدد الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى.
بديهي أن لا تتطابق مصالح روسيا والصين في كل مناطق العالم على رغم المواجهة المشتركة التي تخوضانها مع الولايات المتحدة. بيد أنه في الوقت نفسه لا تختلف موسكو وبكين على أن لهما مصلحة مشتركة في الحفاظ على الاستقرار في آسيا الوسطى.
إن كازاخستان اليوم بمثابة اختبار لمدى قدرة روسيا والصين على التعامل مع أزمات في الجوار القريب.