بقلم: مارك غيلبرت وماركوس آشوورث – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- وقع بنك إنجلترا في فخ السياسات التي صنعها بنفسه، بعد أن ترنح وتأخر فيما يتصل بما إذا كان عليه أن يسحب الحوافز الخاصة بالوباء ومتى. ورغم أن التضخم أصبح الآن في طريقه إلى الارتفاع، فلا ينبغي له محاولة التعويض عن الوقت الضائع. ذلك أن التشديد المالي على الطريق من شأنه أن يقلل من الإلحاح في مواجهة الأزمة النقدية. وفي حين أن ارتفاعاً متواضعاً في تكاليف الاقتراض، لمنع توقعات التضخم أن تكون غير مستقيمة، هو أمر مبرر، يجب على المسؤولين عن الاستقرار الاقتصادي في المملكة المتحدة أن يكونوا حذرين من خنق الاقتصاد، من خلال التحرك بقوة مفرطة لمعالجة ضغوط الأسعار التي هي إلى حد كبير خارج سيطرتهم.
لقد ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 5.1 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهي أسرع وتيرة منذ عقد من الزمان، متجاوزة بذلك الارتفاع الذي توقعه خبراء الاقتصاد بنسبة 4.8 في المائة. توقع محافظ البنك المركزي أندرو بيلي أن يصل الرقم إلى 6 في المائة في الأشهر المقبلة، أي ثلاثة أضعاف النسبة المستهدفة التي حددتها الحكومة والتي تبلغ 2 في المائة.
تتراكم الدلائل التي تشير إلى أن التضخم في المملكة المتحدة سوف يثبت أنه ليس أمراً عابراً. إذ رفعت شركة “غريغس بي إل سي”، أكبر سلسلة مخابز في بريطانيا، أسعار المواد الغذائية بما في ذلك لفائف النقانق وباغيت اللحم المقدد بنسبة 5 في المائة تقريباً لتغطية ارتفاع تكاليف المكونات والعمال. وقالت شركة “نيكست بي إل سي” لتجارة التجزئة الأسبوع الماضي، إنها تتوقع أن تزيد الأجور بمعدل 5.4 في المائة هذا العام، في حين سوف ترتفع الأسعار التي تتقاضاها لمجموعات ملابس الخريف والشتاء بنسبة 6 في المائة، ما يعكس قفزة مستمرة في تكاليف الشحن.
أيضاً أظهر المسح الفصلي للغرف التجارية البريطانية الذى صدر الأسبوع الماضي، أن الشركات تتوقع زيادة الأسعار خلال الشهور الثلاثة المقبلة بنسبة قياسية. وتعتزم الشركات البريطانية زيادة الأسعار بنسبة 5 في المائة في العام المقبل، وفقاً لما ذكره المسح الشهري الذي أجراه بنك إنجلترا لكبار المسؤولين الماليين والذي نُشر الخميس الماضي، وهي النسبة الأعلى منذ أن بدأ البنك المركزي استجواب الشركات في 2017.
كل هذا يفسر لماذا رفع البنك المركزي في المملكة المتحدة سعر الفائدة القياسي إلى 0.25 في المائة من 0.1 في المائة الشهر الماضي، وربما يحتاج إلى إعادة تأكيد رغبته في مكافحة التضخم من خلال الانتقال إلى 0.5 في المائة عند اجتماعه في 3 فبراير (شباط) المقبل. إن أغلب مكاسب الأسعار الأخيرة لا يمكن التحكم فيها من خلال زيادة تكاليف الاقتراض، فهي لفتة غير مجدية ضد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي على سبيل المثال، ولن تُجدي نفعاً للحد من تكاليف الشحن. فقد تلوح في الأفق أزمة الدخول المحلية، حيث من غير المرجح أن تعوض الزيادات الضريبية وفواتير الطاقة الأعلى في أبريل (نيسان)، الزيادات في الأجور، والتي تعمل دوماً على تخفيف صدمة المشترين المحتملين الناجمة عن تسارع أسعار المستهلك. ورغم أن الأسعار قد تظل أعلى، فإن معدل التضخم سوف ينخفض مع تحرك التأثيرات من عام إلى آخر لإبطاء خطواتها.
زيادة الأسعار في فبراير سيكون لها أثر مزدوج، مع بلوغ أسعار الفائدة العتبة التي قال البنك المركزي إنه مستعد للسماح لميزانيته العمومية التي تبلغ 895 مليار جنيه (1. 2 تريليون دولار) بالبدء في الانخفاض بشكل طبيعي، فهو سوف يسمح لحيازات السندات بالنضوج بدلاً من إعادة استثمار العائدات. ويُنظر إلى فبراير باعتباره اجتماعاً مباشراً، حيث تشير مقايضات المؤشرات بين عشية وضحاها إلى فرصة بنسبة 80 في المائة، لزيادة إضافية تبلغ 25 نقطة أساس في الشهر المقبل. إن خفض حوافز التيسير الكمي من شأنه الإقلال من الحاجة إلى سياسة نقدية أكثر إحكاماً.
وتجعل التدابير الانكماشية المالية على جدول الأعمال في الأشهر المقبلة المشهد الاقتصادي العام يتجه صوب الإقلال من الضغط التصاعدي على أسعار المستهلكين. ويتعين على بنك إنجلترا تجنب الخطأ السياسي المتمثل في المبالغة في رد فعله المتأخر فيما يتصل بمكافحة التضخم، بدلاً من المجازفة بإغراق الاقتصاد في دورة انكماش قاسية. ولا بد أن تمر عاصفة التضخم من تلقاء ذاتها.