بقلم: د. أيمن سمير – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – الثابت في كثير من الحروب، بما فيها الحروب الكبرى، أنها وقعت بالخطأ، أو نتيجة لـ «القناعات الخاطئة» التي تكونت لدى كل طرف. ولتجنّب هذه الأخطاء جرى العرف السياسي على أن تكون هناك وسيلة اتصال بين الدول التي يمكن أن تندلع بينها الحروب، ويطلق على خطوط الاتصال هذه «الخط الساخن» الذي يساعد القيادات في هذه الدول أن تتواصل مع الطرف الآخر لنزع فتيل الصراع قبل الوصول إلى دق طبول الحرب واستخدام البندقية بدلاً من الدبلوماسية.
وكانت هناك أمثلة كثيرة في التاريخ، منها على سبيل المثال عندما نجح التواصل بين الرئيس الأمريكي جون كيندي والزعيم السوفييتي الراحل خروتشوف في نزع فتيل حرب نووية فيما سمي وقتها بأزمة خليج الخنازير والصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962 والتي استمرت 13 يوماً، عندما نجح التواصل بين واشنطن وموسكو في سحب الاتحاد السوفييتي صواريخه النووية من كوبا، وإعادة الصواريخ التي كانت في المحيط الأطلسي في طريقها لكوبا إلى القواعد السوفييتية، فكيف يمكن أن تعزز روسيا والولايات المتحدة من التواصل بينهما لتعزيز الثقة، وتوسيع مساحة المشتركات، وتجنب القناعات الخاطئة لدى كل طرف عن الآخر؟
اللغات الخشنة
منذ أبريل الماضي تسود لغة خشنة في التعامل الروسي الغربي في شرق أوروبا والبحر الأسود تقوم على الحشد العسكري والحشد المضاد، وهناك قناعة لم تصل إلى مرحلة اليقين لدى الطرفين بأن كل طرف يستعد لحرب تكون ساحتها أوكرانيا، فالأقمار الصناعية الأمريكية والغربية تقول إن روسيا حشدت ما بين 90 إلى 120 ألف جندي قرب الحدود الجنوبية الشرقية لأوكرانيا، وهي المنطقة المحاذية لإقليم دونباس الأوكراني الذي يسكنه نحو 400 ألف روسي.
ويخشى الرئيس الأمريكي جو بايدن من تكرار سيناريو 2014 عندما كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما ولم يكن لدى الإدارة الأمريكية وقتها سوى خيار العقوبات للرد على «ضم» موسكو شبه جزيرة القرم.
على الجانب الآخر، تقوم القناعة الروسية على أن تحريك روسيا قواتها داخل أراضيها حق ومسألة داخلية، وأن روسيا لم تذهب للحدود الأمريكية بل أمريكا هي من تأتي قرب الأراضي الروسية، كما ترفض موسكو محاولات ضم أوكرانيا وجورجيا لحلف الناتو من منطلق أن انضمام هذين البلدين سيجعل المدن الروسية في الجزء الغربي تحت رحمة الصواريخ الأمريكية وصواريخ «الناتو»، وأن الزمن الذي سوف تستغرقه الصواريخ الأمريكية للوصول إلى موسكو وسان بطرسبرغ حال انضمام أوكرانيا للحلف سوف يقل إلى نحو 4 دقائق فقط، وهو طرح يرفضه «الناتو» ويرجح أن بوتين أعد خطة لاجتياح أوكرانيا في يناير الجاري، وأن من حق أوكرانيا الانضمام لأي حلف تراه من أجل الدفاع عن نفسها.
الخيار الثالث
رغم كل هذه الشكوك المتبادلة، فإن اللقاءات التي تعقدها الأطقم العسكرية والسياسية من روسيا والولايات المتحدة وحلف الناتو ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في جنيف وبروكسل وفيينا هي فرصة مثالية لتبديد القناعات الخاطئة، وتخفيف التوتر، وتبريد الصراع عبر مجموعة من الأفكار، التي يمكن أن تشكل «طريقاً ثالثاً» بعيداً عن قناعات الطرفين الحالية، ومن هذه الأفكار استجابة الولايات المتحدة لبعض المطالب الأمنية الروسية مثل تأكيدها أنها لا تنوي نشر صواريخ كروز أو مجنحة في أوكرانيا مقابل إنهاء الحشد الروسي قرب الحدود الأوكرانية، وإنشاء منطقة عازلة حول دونباس في الاتجاهين الروسي والأوكراني، وتقليل عدد وحجم المناورات العسكرية، والحد من رحلات القاذفات الاستراتيجية.