الرئيسية / مقالات رأي / الحرب العالميّة الثالثة: خطر محتمل أم وهمٌ داهم؟

الحرب العالميّة الثالثة: خطر محتمل أم وهمٌ داهم؟

بقلم: فارس خشان – النهار العربي

الشرق اليوم – يتّهم بعض المؤرّخين روسيا بأنّها تسعى إلى إعادة كتابة التاريخ بما يمكن أن يخدم التطلّعات الإستراتيجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يبني هذا الاتّهام نفسه على مجموعة من الأدلة، أبرزها نشر دراسة على موقع وزارة الدفاع الروسية تهدف الى تحميل بولونيا مسؤولية اندلاع الحرب العالمية الثانية، بسبب وقوفها غير المبرّر في وجه التطلّعات الإستراتيجية “المحقة” لألمانيا النازية. 

ولم تبقَ هذه الدراسة التي أحدثت ضجّة كبيرة في بولونيا كما في أوساط المؤرخين يتيمة، إذ جرى دعمها ببث فيلم وثائقي روسي يسلك الاتجاه نفسه، وبترويج معلومات عن أنّ جهاز المخابرات الخارجية الروسي سوف ينشر وثائق سرية تعزّز هذا التوجّه. 

“إعادة كتابة التاريخ” كانت قد استبقت إقدام روسيا على نشر مئة ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا، في خطوة جرى تفسيرها بأنّها تمهيد لا بدّ منه لقرار اتّخذه الكرملين باجتياح هذه الجمهورية السوفياتية السابقة التي كانت قد وجّهت طلباً من أجل الانضمام الى “حلف شمال الأطلسي”. 

بالنسبة لكثير من المتابعين، فإنّ هذا النهج لا يعني سوى رسالة وجّهتها روسيا إلى الولايات المتحدة و”حلف شمال الأطلسي” و”الاتّحاد الأوروبي” بأنّها مستعدّة، في الموضوع الأوكراني، للذهاب الى حدود “المواجهة القصوى”، تماماً كما حصل عندما “تجاهلت” بولونيا والقوى الداعمة لها، عام 1939، المصالح الألمانية الإستراتيجية.

وقد اختارت موسكو توقيتاً دقيقاً لتوجيه رسالتها، إذ إنّها في الوقت الذي تُهدّد فيه بإشعال الجبهة الأوروبية، تنتظر الصين الولايات المتحدة والغرب على “مفرق” تايوان.

وهذا يعني أنّ أيّ خطأ في الحسابات يمكن أن يؤدّي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، لا يزال يتعاطى معها كثيرون على أنّها، في ظل موازين القوى التي يشكّل “الردع النووي” عمودها الفقري، ضرب من ضروب الخيال.

ويشكّل هذا الأسبوع، منذ انطلاقته، منعطفاً استراتيجياً لإيجاد أرضية روسية – غربية مشتركة لتخفيف الاحتقان الذي يحيي لدى البعض شبح الحرب العالمية: بعد المحادثات الروسية – الأميركية، تنعقد مفاوضات روسية مع “حلف شمال الأطلسي”، قبل اجتماع مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

ماذا تريد روسيا؟ 

تتطلّع موسكو الى أن يقفل “حلف شمال الأطلسي” باب الانتساب إليه، بعدما ضمّ منذ عام 1999 حتى عام 2000 أربع عشرة دولة كانت تقع وراء “الستار الحديدي” وأن يقلع، نهائياً، عن فكرة ضم دول كانت تشكّل جمهوريات ضمن “الاتحاد السوفياتي”.

وهذا التطلّع الروسي يشمل، خاصة، كلاً من أوكرانيا وجورجيا.

ولا تقف الأمور عند هذا الحد، بل تريد موسكو من الغرب الامتناع عن عقد اتفاقيات تعاون عسكري مع هاتين الدولتين، ولا سيّما مع أوكرانيا التي تلقى دعماً غربياً من أجل مواجهة الموالين لروسيا في إقليم دونباس، في شرق البلاد، ووقف كل أنواع العقوبات المرتبطة بضمّها، عام 2014، شبه جزيرة القرم.

وتعتبر موسكو أنّ الغرب يقف وراء ما يُسمّيه فلاديمير بوتين بالثورات الملوّنة، وكان آخرها ما حصل في كازاخستان، وتالياً فإنّ المطلوب من الغرب أن يوقف هذا “العدوان على المصالح الروسية الإستراتيجية”.

وتشير موسكو إلى أنّ الحرية التي أخذها الغرب، في ضوء انهيار الاتحاد السوفياتي، قد وصلت الى ختامها، فـ”الدب الروسي” قد استيقظ ولن يسمح لأيّ قوة بالعبث في مجاله الحيوي.

في واقع الحال، ترفع روسيا لائحة المطالب هذه في وجه الغرب، بعدما عادت لتلعب أدواراً مهمة في نادي الكبار، سواء في سوريا أو ليبيا أو أفريقيا الوسطى أو مالي.

هل يستجيب الغرب لمطالب روسيا؟

من حيث المبدأ، تبدو الولايات المتحدة الأميركية، وهي الأهم بالنسبة لروسيا، مستعدّة لتقديم ضمانات لروسيا بعدم إقامة نقاط عسكرية في أوكرانيا، من شأنها الإضرار بأمنها الإستراتيجي، ولكن من دون الذهاب الى حدود القبول بفرض شروط على “حلف شمال الأطلسي”.

فرنسا وألمانيا تذهبان أبعد من الولايات المتحدة الأميركية، فهما غير متحمّستين لانضمام أوكرانيا لـ”حلف شمال الأطلسي”، لأنّهما لا ترغبان، بأيّ شكل من الأشكال، بصراع مفتوح مع روسيا.

ولكنّ “الدول الشرقية” التي سبق أن التحقت بهذا الحلف تخشى من أن يُظهر الغرب علامات ضعف لروسيا، بهدف احتواء تهديدها باجتياح أوكرانيا، لأنّه، في هذه الحالة، فإنّ موسكو لن تتوانى، في حال نجاح مقاصدها الأوكرانية، عن رفع مستوى طموحاتها لتفرض، لاحقاً، شروطاً خاصة بالدول التي كانت ملحقة بـ”حلف وارسو”.

وقبل الذهاب إلى جنيف لإجراء محادثات مع روسيا، عزّزت الولايات المتحدة الأميركية أوراق قوتها، بحيث لم تتوعّد موسكو بعقوبات غير مسبوقة إن حاولت اجتياح أوكرانيا فحسب، بل ذهبت أيضاً الى حدود التعهّد بمساعدة الأوكرانيين ليحوّلوا بلادهم، في حال محاولة اجتياحها، الى مستنقع يغرق فيه الروس، فيما أعلنت دولتان حياديتان استراتيجيتان عن تطلّعهما إلى طلب الانضمام إلى “حلف شمال الأطلسي” إذا اجتاحت موسكو أوكرانيا، وهما: السويد وفنلندا.

وتخشى واشنطن إذا أظهرت ضعفاً أمام موسكو التي تريد فرض قائمة شروط في كل ما يختص بتعامل الغرب مع الجمهوريات السوفياتية السابقة في شرق أوروبا، كما في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، من أن يرتد ذلك سلباً عليها في صراعها على النفوذ مع الصين، وتحديداً على الوضعية الإستراتيجية لتايوان.

لقد بيّن التاريخ أنّ السلم العالمي يصبح في خطر كبير، عندما تبدأ الدول الكبرى العمل على إعادة رسم خريطة النفوذ.

كان ذلك صحيحاً في إشعال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فهل يصح ذلك أيضاً لإشعال حرب عالمية ثالثة، أم أنّ الظروف والمعطيات والتجارب والتقدّم التكنولوجي والردع النووي، يمكن أن تأخذ الصدام الى صراع دبلوماسي مفتوح وتحيي قواعد “الحرب الباردة” من دون حاجة إلى المرور بجحيم الحرب الطاحنة؟

من الطبيعي أن يميل كثيرون الى عدم إعطاء أي صدقية لصدام يبدأ في أوروبا ويمتد إلى آسيا.

ميل قد لا تمليه المعطيات الموضوعية بقدر ما تمليه الطبيعة الإنسانية التي تقاوم كل الوقائع التي لا تريد سماعها ولا مشاهدتها.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …