بقلم: علي قباجة – الخليج
الشرق اليوم- تقدم ملحوظ وبصيص أمل بزغ مع تعهد الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بمنع انتشار الأسلحة النووية في بيان مشترك، إذ يأتي هذا التعهد في وقت يشهد العالم احتقاناً يقترب من أن ينفجر في ظل تعدد الصراعات في جبهات عدة تتورط فيها الدول الكبرى، خصوصاً بين روسيا والصين من جهة وأمريكا وحلفائها الأوروبيين من الجهة الأخرى.
خطوة إيجابية استُهلت بها سنة 2022 التي رُحّلت إليها الكثير من الأزمات، وحملت إرثاً متخماً من النزاعات المتراكمة عبر سنوات خلت، وربما تكون فاتحة خير لمزيد من المحادثات تختتم بتعهدات على أكثر من صعيد لتحقيق انفراجات دبلوماسية ترمم العلاقات التي وصلت إلى أدنى مستوياتها بين الدول الكبرى، التي تمتلك مخزونات من الأسلحة النووية والتقليدية القادرة على إبادة العالم.
الدول الخمس أكدت في البيان أنها غير معنية بأي تصادم يؤدي إلى استخدام هذه الأسلحة، إذ قالت إن تجنب الحرب بين دول تمتلك أسلحة نووية وخفض الأخطار الاستراتيجية، «مسؤولياتنا الأولى»، مشددة على قاعدة أن استخدام السلاح النووي له عواقب بعيدة المدى، كما أكدت رغبتها بالعمل المشترك على تخفيض الأسلحة، ومنع أي دولة من امتلاكها، مع هدف نهائي متمثل في عالم خالٍ من الأسلحة النووية، على أن يتم دعم الاستخدام السلمي للطاقة النووية فقط.
هذا الموقف يكتسب أهمية، رغم تأجيل المراجعة الأخيرة لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي بدأ العمل بموجبها في عام 1970، بعدما كانت مقررة في 4 كانون الثاني/ يناير إلى وقت لاحق بسبب جائحة كورونا، وبانتظار هذه القمة كان لا بد من التوصل لصيغة مشتركة تحيّد هذه الأسلحة في ظل عالم مضطرب، فروسيا رأت أنها تساعد في خفض التوتر، والصين أكدت أنها تزيد من بناء الثقة وتفتح الباب أمام استبدال التنافس بين القوى الكبرى بالتنسيق والتعاون، بينما شجعها الغرب الذي طالما تخوف من لحظة جنون عبر اللجوء في أي حرب إلى استخدام هذه الأسلحة الفتاكة.
العالم اليوم على شفا حفرة من الاحتراب، في ظل الصراع القائم بين موسكو وكييف ومن خلفها الغرب الذي يتهم روسيا بالتهديد بغزوها، وتوعد أمريكا و«الناتو» الرد بصرامة على أي تحرك عسكري، إضافة إلى الاحتكاكات العسكرية المتكررة في بحر الصين الجنوبي بين بكين والعديد من الدول، التي كادت أن تتطور في الكثير من الأوقات إلى صدامات، فضلاً عن التوتر القائم مع تايوان، بينما يعمق الغرب علاقاته مع تايبيه نكاية ببكين، وغيرها الكثير من مناطق الصراع التي تكبر يوماً بعد آخر.
العالم يأمل أن يكون هذا الاتفاق المبدئي مقدمة للتخلص من أسلحة الدمار الشامل، التي فيها فناء البشرية، واستبدالها بالطاقة النووية السلمية التي تخدم البشرية وتحقق لها النمو، بدلاً من استثمارها في الموت والخراب، فلا بد أن يأتي يوم تعي فيه الدول النووية أن بناء مستقبل الشعوب أفضل بكثير من بناء ترسانة يكون في قلبها التدمير والفناء.